طولكرم 18-2-2025 وفا- إسراء غوراني
أخيرا تمكن ذوو الشهيدة رهف الأشقر من مخيم نور شمس شرقي طولكرم من مواراتها الثرى، بعد عشرة أيام على استشهادها في ظروف قاسية خلال اقتحام وحصار المخيم الذي ما زال متواصلا.
ظروف من المرارة والعذاب كابدتها العائلة على مدار الأيام الماضية، قبل الحصول على موافقة من سلطات الاحتلال لدفن الشهيدة، اليوم الثلاثاء، في مقبرة المخيم، وسط شروط قاسية ومشددة، أبرزها توديع الشهيدة في المستشفى وليس في منزل أي من الأهل أو الأقارب، وإخراج جثمانها مباشرة من المشفى إلى المقبرة، ومشاركة 30 شخصا فقط في إجراءات الجنازة والدفن.
ومنذ عشرة أيام، لا تتوقف أحاديث العائلة عن رهف، ابنتهم المحبوبة صاحبة القلب الأبيض والابتسامة الحاضرة دوما، في جعبة أفراد العائلة، كبيرهم وصغيرهم، مواقف كثيرة وأحاديث لا تنتهي عن يومياتهم التي عايشوها معها.
تتحدث والدة رهف (أم حسن) عن تفاصيل اللحظات الأخيرة لابنتها وظروف استشهادها، وتقول في حديثها لـ"وفا": "يوم الأحد التاسع من الشهر الحالي كنا نجلس في منزلنا الكائن في شارع المدارس بالمخيم، وهو اليوم الذي بدأ فيه حصار المخيم واقتحامه، بعد أيام من اقتحام وحصار مخيم طولكرم.. قبيل ظهيرة ذلك اليوم حضرت رهف إلى والدها وأخبرته بأنها تستشعر حركة مريبة في محيط المنزل، فذهبا معا لاستيضاح الأمر من غرفة الضيوف".
حاولت رهف ووالدها اختلاس النظر من نوافذ غرفة الضيوف لاستيضاح ماذا يجري، ففوجئت عندما رأت الباب الخارجي لباحة المنزل مفتوحا، في حين لاحظت وجود أسلاك ممددة في محيط المنزل وعلى أعمدته الخارجية.
فور مشاهدة رهف للأسلاك، استشعرت الخطر وأيقنت نية الاحتلال إحداث تفجير في محيط المنزل ومدخله وطالبت والدها بالإسراع للابتعاد قدر الإمكان عن غرفة الضيوف القريبة من المدخل الخارجي للمنزل والعودة إلى الغرف الداخلية، في تلك اللحظة حصل الانفجار المدوي في الباب الخارجي لغرفة الضيوف، وتطايرت الشظايا التي أصابت رهف ووالدها.
تقول الأم المكلومة: "فور حدوث الانفجار هرعت على عجلة إلى غرفة الضيوف حيث تتواجد رهف ووالدها، فوجدتهما في بركة من الدماء، حينها كانت رهف مصابة بشظايا في غالبية أنحاء جسدها وتلفظ أنفاسها الأخيرة، بينما كان والدها مصابا بالشظايا في قدميه في وضع صعب".
تتابع الوالدة: "خلال لحظات بعد ذلك، دفع جنود الاحتلال بأحد مواطني المخيم والذي كانوا قد اتخذوه درعا بشريا إلى المنزل، فدخل علينا ليخبرنا بأن الجنود يطالبوننا بالخروج، فبدأت بالصراخ وقلت بأنه لا يمكننا الخروج بينما ابنتي وزوجي بهذه الحال، فاقتحم الجنود المنزل شرعوا بتفتيشه وأخرجوا جميع الرجال في عملية استمرت دقائق معدودة، كما قاموا باعتقال العم الأصغر لرهف".
طلبت العائلة الإسعاف عقب ذلك، وقامت الطواقم بنقل رهف التي كانت قد فارقت الحياة ووالدها المصاب إلى مستشفى الإسراء التخصصي بمدينة طولكرم، وهو المستشفى الوحيد الذي كان متاحا وصول الإسعاف إليه في تلك الأثناء، في ظل حالة الحصار وانتشار قوات الاحتلال في المدينة.
تؤكد والدة رهف أن قوات الاحتلال تعمدت إحداث التفجير، رغم أنه كان بالإمكان اقتحام المنزل أو الطرق على بابه بشكل اعتيادي، حيث عمل الجنود على تفخيخ المكان خلسة وهو أمر غير مبرر وغير مفهوم لأفراد العائلة الذين كانوا في منزلهم بشكل اعتيادي، ودون أن يكون أي خطر على الجنود في المكان.
تتساءل الوالدة: "لماذا فعلوا ذلك؟ ولماذا لم يطرقوا باب المنزل أو يداهموه بالطرق التي تحدث غالبا؟، لما قاموا بتفجير باب المنزل على حين غرة وبهذا الشكل المريب؟" أسئلة كثير تدور في رؤوس أفراد العائلة ولا يجدون لها جوابا.
يجمع أفراد عائلة رهف على أنها كانت محبة وعطوفة على الجميع، وهم لا يتوقفون عن ذكر تفاصيل يومياتهم معها.
رهام الشقيقة الكبرى لرهف والتي احتفظت برباطة جأشها بينما كانت تحدثنا عن الكثير من التفاصيل الجميلة التي كانت تشيعها شقيقتها الشهيدة في العائلة.
تقول رهام: "كانت رهف زهرة العائلة، حتى في المواقف الصعبة خلال الاجتياحات الكثيرة والمتكررة للمخيم، كانت دائما تطوف بين أفراد الأسرة ممازحة إياهم، تلقي النكات لتخفيف وطأة الخوف والتوتر عليهم".
تضيف: "كوني متزوجة ومقيمة خارج المخيم، كنت دائمة القلق على أهلي خلال الاقتحامات المتكررة، ودائما كنت اتصل برهف التي كانت دائما تطمئنني، وتزامنا مع ذلك كانت تشيع جوا من المرح بين أفراد العائلة لتخفيف توترهم".
وتؤكد رهام: "الصغير والكبير في هذه العائلة يحبون رهف، أطفالي الثلاثة يفضلونها من بين جميع أفراد العائلة ويعتبرونها بمثابة صديقة لهم وليست خالتهم فقط، رحلت رهف وتركت جرحا عميقا في قلوبهم".
مواقف رهف الجميلة يذكرها أشقاؤها وشقيقاتها الستة، كما لا ينسى والداها وقوفها جانبهما في أحلك الظروف، فخلال الاقتحامات المتكررة للمخيم سابقا دمرت جرافات الاحتلال مصدر رزق والدها، حيث كان يمتلك مطعما للمأكولات الشعبية، ونتيجة لذلك ساءت ظروفه المادية مع كثرة التزاماته.
لم تقف رهف مكتوفة الأيدي حيال ذلك ولم تسلم بالوضع الجديد للعائلة، كما تقول شقيقتها، فظلت تبحث عن فرصة للعمل حتى حصلت قبل أشهر على فرصة عمل في مصنع للمواد الغذائية بمدينة طولكرم، "كانت فرحتها عند الحصول على العمل لا توصف، لأنها تريد المساهمة في مساعدة عائلتها التي عانت مؤخرا ظروفا غير مسبوقة في صعوبتها".
شهداء متتابعون
الفقد الموجع الذي اكتوت به عائلة الأشقر اكتوت به أيضا عائلات أخرى، فقبل ساعات من استشهاد رهف وفي فجر اليوم نفسه استشهدت أيضا الشابة سندس جمال الشلبي (23 عاما) مع جنينها برصاص الاحتلال، حيث كانت حاملا في شهرها الثامن، فيما أصيب زوجها بجروح بالغة، وذلك أثناء خروجهما من مخيم نور شمس مع بداية حصاره واقتحامه.
كانت سندس وزوجها يريدان الخروج إلى مكان أكثر أمنا، حتى يتسنى لها الحصول على الرعاية الطبية في حال قدوم موعد ولادتها لطفلها الأول، لكن رصاص الاحتلال قتل الأم والجنين.
كما استشهد قبل رهف وسندس بيومين الطفل صدام حسين رجب (7 أعوام)، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال في الحي الغربي لمدينة طولكرم قبل أسبوع من استشهاده.
الاحتلال يوسع أوامر إطلاق النار بالضفة
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد نشرت في العاشر من الشهر الجاري أن جيش الاحتلال الإسرائيلي وسع أوامر إطلاق النار بالضفة الغربية، حيث نقلت عن قادة وحدات في جيش الاحتلال، بأن ما تسمى "قيادة المنطقة الوسطى" لديها قررت تطبيق آلية إطلاق النار التي كانت تتبعها في قطاع غزة لقتل أي فلسطيني غير مسلح سواء يشتبه به أو لا في الضفة الغربية، موضحة أن "أوامر إطلاق النار الواسعة سهلت على الجنود الضغط على الزناد بإيعاز من قائد المنطقة الوسطى آفي بلوط".
كما نقلت الصحيفة عن قادة وحدات بجيش الاحتلال، بأن "قائد فرقة الضفة، أمر بإطلاق النار على أي مركبة قادمة من منطقة قتال باتجاه حاجز...
وعن ظروف استشهاد الشابة رهف الأشقر في مخيم نور شمس، قالت الصحيفة إن جيش الاحتلال وضع قنبلة من أجل تفجير مدخل المنزل واقتحامه، دون إبلاغ الموجودين بداخله، وعندما فتحت الشابة رهف الباب، انفجرت القنبلة ما أدى إلى استشهادها.
مطالبات بضغط دولي لوقف العدوان
وطالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" في بيان نشرته بتاريخ 3 شباط/ فبراير الجاري بتدخل دولي عاجل لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في مخيمات ومناطق شمال الضفة الغربية المحتلة.
وأدانت الهيئة "تصعيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسياساتها العدوانية في الضفة الغربية المحتلة ومواصلة هجومها وعملياتها العسكرية وتوسيعها في مخيمات جنين وطولكرم للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة".
وأكدت "أن اجتياح قوات الاحتلال للمخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية يتخذ مستوى جديدا من التصعيد، حيث تُنفَّذ عمليات عسكرية واسعة النطاق تترافق مع حصار مشدد، وغارات جوية تستهدف المنشآت المدنية والمحال التجارية، إلى جانب تدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع. كما يعاني السكان من انقطاع تام للمياه والكهرباء، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الطبية، مما فاقم الأزمة الإنسانية...".
وأضافت: "... يأتي هذا التصعيد في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية، وسط غياب أي تدخل دولي فعّال لوقف هذه الانتهاكات".
وتابعت: "بالتزامن مع تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، شددت قوات الاحتلال القيود المفروضة على حرية التنقل والحركة في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة. وقد تم نشر نحو 898 حاجزًا عسكريًا وبوابة حديدية على مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، ما أدى إلى شلّ الحياة اليومية للسكان، وتعطيل أعمالهم، وإعاقة قدرتهم على ممارسة حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حرية التنقل، والعمل، والتعليم، وتلقي العلاج، والسكن".
ومنذ تاريخ 21 كانون الثاني/يناير الماضي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانا واسعا على محافظات شمال الضفة الغربية، حيث بدأ عدوانه على جنين ومخيمها بعملية عسكرية أطلق عليها اسم "السور الحديدي"، قبل أن يوسعها إلى مدينة طولكرم ومخيميها طولكرم ونور شمس، ثم إلى بلدة طمون ومخيم الفارعة في محافظة طوباس، حيث انسحبت قوات الاحتلال في وقت لاحق من طمون ومخيم الفارعة، فيما لا يزال العدوان مستمرا في جنين وطولكرم ومخيماتهما.
وتشير معطيات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن عدد شهداء الضفة الغربية ارتفع بالتوازي مع حرب الإبادة التي شنها الاحتلال في قطاع غزة، فمنذ ٧ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغ عدد شهداء الضفة 917 شهيدا، فيما بلغ عددهم 82 شهيدا منذ مطلع العام الجاري.
ـــ
/ م.ل