- أكثر من 170 ألف طن من النفايات تتراكم في الشوارع
غزة 12-4-2025 وفا- حسين نظير السنوار
أخذت النفايات الصلبة منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تتراكم أكثر فأكثر، محولة الشوارع إلى مشهد مأساوي، مخلفة آثارا مدمرة في صحة وحياة الناس، وشلت البيئة المأهولة في القطاع.
تتواصل مأساة قطاع غزة البيئية، بسبب تبعات عدوان الاحتلال المتواصل الذي دمر البنى التحتية، وعطل الخدمات المحلية، ولا يزال جمع النفايات من الشوارع يمثل مشكلة خطيرة تهدد بانتشار الأمراض، وذلك بسبب منع الاحتلال من الوصول إلى مكبات النفايات الكبيرة شرق القطاع، الأمر الذي أدى إلى تجميعها في مناطق غالبا قريبة من مناطق الخيام والنزوح، لعدم توفر وقود لتشغيل المركبات المخصصة بجمع النفايات والاكتفاء بتجميعها عن طريق عربات تجرها حيوانات، ووضعها في مناطق قريبة.
وقالت الحاجة أم جمال النازحة في مواصي خان يونس: تعبنا وأرهقتنا روائح النفايات والصرف الصحي القريبة منا في منطقة جامعة الأقصى غربا، خاصة أننا أصحاب أمراض مزمنة ونعاني من مشاكل صحية في القلب والتنفس.
وتطرقت إلى أن ما يزيد الطين بلة وهو رمي جيف الحيوانات قرب تلك المكبات لصعوبة نقلها لمدافن بعيدة، الأمر الذي يزيد من الروائح الكريهة وانتشار الأمراض بسبب خروج الديدان منها وانتشار الحشرات في المكان.
بينما يقول رائد أبو شاب إن تراكم النفايات أدى إلى انتشار الحشرات والقوارض التي تتسبب بزيادة مخاطر الأمراض والتهديدات الصحية، لافتا إلى أن القوارض تؤدي إلى تلف وخراب الكثير من مقتنيات المواطنين خاصة الغذائية الشحيحة أصلا.
وتطلق النفايات بحسب خبراء البيئة والصحة غازات ضارة كالميثان وثاني أكسيد الكربون الذي يلوث الهواء ويسبب روائح كريهة، ويشكل خطرا على صحة الجهاز التنفسي، خاصة عند إشعال النيران في تلك النفايات.
ويردف أبو شاب، لا يقتصر الأمر على الروائح الكريهة والحشرات والقوارض، بل إن عبث الأطفال قرب النفايات المتراكمة في الشوارع ولقلة مساحات اللهو واللعب، ينقل أمراضا خطرة إليهم وقد سجلت لدينا في المخيم عدة حالات لمشكلات في التنفس.
بينما يقول رامي شاهين، إن مكب النفايات في منطقة جنوب شرق مدينة أصداء والقريب من بركة تجمع مياه الأمطار في حي الأمل على طريق شارع رقم 5، تمتزج به رائحة النفايات مع رائحة الصرف الصحي الذي يتجمع في البركة مخلفة رائحة قوية وقاتلة، تسبب الإزعاج والأرق للمواطنين والنازحين في المناطق القريبة مثل أحياء الأمل والياباني والإماراتي والهولندي القريبة، علاوة على تسببها لضيق تنفس لمرضى الربو والأمراض الصدرية، كما أنها تسبب أمراضا جلدية ناتجة عن الحشرات والبعوض.
ويشير إلى أنهم يواجهون مشكلة في العلاج والوصول للمستشفيات لاكتظاظها بالشهداء والمصابين وعدم وجود رعاية أولية على مدار الساعة، لانشغال الطواقم الطبية بالأمور الأصعب لإنقاذ حياة المصابين، وأيضا لقلة المستلزمات الطبية التي تحرم قوات الاحتلال منها منذ بداية الحرب ولا تدخل إلا القليل منها لا يكفي لحجم الطلب عليها.
ويضيف شاهين: كميات النفايات المعدنية المتراكمة في الشوارع وعلى مكبات النفايات المؤقتة زادت بشكل كبير وملحوظ بسبب تناول المواطنين المعلبات، وإلقاء العلب في القمامة، إضافة إلى اعداد السيارات الكبيرة التي دمرتها آلة الحرب خلال الاجتياحات البرية لمناطق القطاع زاد من أثرها السلبي على المواطنين خاصة الأطفال الذين يلعبون في الشوارع، ويتعرضون للجروح.
فيما يقول الطبيب محمد العماوي، إن المخلفات الطبية زادت من معاناة المواطنين خاصة أنها تحتوي على شاش وقطن ملوثين، وحقن وبقايا علب المحاليل والدماء، وبعض ملابس الشهداء الممزوجة بالدماء، حيث تتم عملية تجميع تلك النفايات في زاوية أو أكثر من ساحة المستشفى الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابة بعض المواطنين بأمراض، ومن الممكن أن تكون معدية عند اقترابهم منها خاصة الأطفال.
وأردف: لقد رأينا العشرات بل المئات من الحالات التي أصيبت بالأمراض، ورأينا كيف تدهورت صحة البعض منهم لدرجة أنهم فقدوا حياتهم لشح الإمكانيات الطبية والأدوية، ولعدم أخذ البعض بسبل الأمان الصحي، لافتقار القطاع لأدنى متطلبات النظافة الشخصية.
وأفادت مصادر محلية، بأن استمرار تراكم النفايات في الشوارع، خاصة في المكبات المؤقتة التي تنتشر في مكان سوق اليرموك وسوق فراس وسط مدينة غزة، منذ بداية العدوان على القطاع، يشكل تهديدا مباشرا على صحة المواطنين، ويزيد من معاناتهم اليومية في ظل الظروف الإنسانية الصعبة.
وأشارت إلى أن أكثر من 170 ألف طن من النفايات تتراكم في الشوارع، ما يؤدي إلى تلوث بيئي خطير ويعرض المواطنين لخطر الأمراض والأوبئة، مبينة أن المكبات المؤقتة تشكل كارثة كبيرة، بينما لا تستطيع الجهات المختصة من نقلها للمكب الرئيسي في جحر الديك جنوب شرق مدينة غزة بسبب منع الاحتلال وعدم توفر الآليات اللازمة للنقل.
وطالبت تلك الجهات المنظمات والمؤسسات الدولية، بالتدخل العاجل والتنسيق مع الجهات المختصة، للسماح بالوصول إلى المكب الرئيسي من أجل تفريغ النفايات بطريقة آمنة في وقت يواجه القطاع أزمة إنسانية متفاقمة، مشيرة إلى انتشار النفايات يتسبب في انتشار الروائح الكريهة ازدياد خطر تلوث المياه الجوفية وانتشار الأمراض المعدية في المناطق التي تعاني من تراكمات ضخمة للنفايات.
وحذر اتحاد بلديات قطاع غزة، من استمرار الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع نتيجة حرب الإبادة، مؤكدا أن البلديات تواجه عجزا عن الاستجابة الفعالة بسبب نقص المعدات والإمكانات الأساسية في ظل الدمار الهائل الذي طال البنية التحتية والقطاعات الخدمية والبيئية والصحية.
وشدد على أن ذلك يتطلب استجابة عاجلة لتوفير الاحتياجات الأساسية للبلديات حتى تتمكن من القيام بدورها في خدمة المواطنين والتخفيف من حجم المعاناة المتفاقمة، مطالبا بتوفير الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة للتعامل مع نحو 55 مليون طن من الركام المنتشر في كافة محافظات قطاع غزة.
ويقول مدير التخطيط في الأونروا سام روز، رأينا بركا من الرواسب ذات اللونين الرمادي والبني، ويعيش حولها الناس لأنه ليس لديهم خيار، وقد رأينا أكواما كبيرة من القمامة، حيث تترك هذه الرواسب خارج منازل السكان أو في داخل بعض الأماكن كما يُضطر الناس إلى التحرك، قرب مدافن النفايات المؤقتة التي أُنشِئت.
ويضيف: الناس تعيش حرفيا وسط النفايات، ولقد أثقل النزوح الجماعي كاهل الجميع.
وحسب تقارير محلية فإن النفايات في قطاع غزة، تمثل جبلا مرعبا ينمو يوما بعد يوم، فعلى مساحة لا تتجاوز 378 كيلومترا مربعا، يعيش نحو 2.23 مليون نسمة، وهو ما يجعل القطاع واحدا من أكثر المناطق ازدحاما في العالم، حيث كان ينتج القطاع يوميا قبل الحرب نحو 1770 طنًا من النفايات الصلبة المنزلية، وهذا الإنتاج ليس مجرد أرقام تحصى، بل أيضا هو واقع يتعاظم مع الزمن، وخصوصا في ظل حصار مستمر منذ أكثر من 17 عاما من العزلة والضائقة.
ولفتت التقارير إلى أن ارتفاع كميات النفايات أدى بصورة كبيرة إلى تهديد المناطق بأزمة بيئية وصحية خطرة فعلى سبيل المثال، تفاقمت في خان يونس مأساة النفايات الصلبة في الأشهر الأولى من الحرب، إذ ارتفعت الكميات من 250 طنا يوميا إلى 350 طنا يوميا بسبب حالات نزوح السكان من شمال القطاع، وهذا الارتفاع الهائل والضغط المتزايد للنفايات أثر بصورة كبيرة في أداء الفرق المكلفة بجمعها في الجنوب، مع التهديدات المباشرة من قصف الاحتلال، ونقص الوقود، وتدمير الشوارع الذي أوقف حركة النقل، بالإضافة إلى تعرض مركبات جمع النفايات وحاوياتها للتلف والضرر.
من جانبه، نبه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن مسألة إدارة النفايات الصلبة في غزة أصبحت حاجة ملحة، وتتطلب دعما وحلولا فورية، مشيرا إلى أن أزمة النفايات انعكاس للأزمة الإنسانية الأوسع في القطاع قبل الحرب، وكان البرنامج قد وضع الخطوط العريضة لخارطة طريق شاملة معنية بالإدارة المستدامة للنفايات في غزة، مع التركيز على التحول إلى نموذج الاقتصاد الدائري، ولكن منذ اندلاع الحرب، تحولت الأولويات نحو المساعدة الإنسانية العاجلة.
وذكر أن عدد مركبات جمع النفايات الصلبة في غزة قد انخفض من 112 إلى 73 في الفترة بين عامي 2017 و2022، ومعظم هذه المركبات قديمة وعددها غير كاف، حيث تخدم مركبة جمع واحدة 21,000 نسمة وعامل جمع واحد لكل 3,343 نسمة.
ـــــ
ح.س/ م.ع