نابلس 13-5-2025 وفا- زهران معالي
في بلدة سبسطية، الواقعة على تلة هادئة شمال غرب مدينة نابلس، لا تقتصر المعركة على اقتحامات المستعمرين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، بل تدور معركة أخطر على الرواية والذاكرة والحق في سرد التاريخ.
في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ سنوات، شرعت سلطات الاحتلال يوم أمس بتنفيذ مشروع استعماري جديد تحت اسم "متنزه السامرة الوطني"، بذريعة الحفاظ على "التراث اليهودي"، معلنة رصد أكثر من 32 مليون شيقل لتطوير الموقع الأثري. لكن المواطنين يؤكدون أن الهدف الحقيقي هو فرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة، وعزلها عن محيطها الفلسطيني.
وخلال جولة ميدانية لمراسلنا، برفقة مدير عام السياحة والآثار في نابلس ضرغام فارس وشرطة السياحة الفلسطينية، تم رصد أكثر من 15 عاملًا من سلطة الآثار الإسرائيلية يقومون بأعمال تنقيب في شارع الأعمدة المؤدي إلى الموقع الأثري، تحت حماية مشددة من جنود الاحتلال.
لكن الجولة لم تدم طويلاً، إذ صوب الجنود بنادقهم نحوهم، وأجبروهم على مغادرة الموقع، في محاولة لحجب ما يجري من تزوير للوقائع عن أنظار العالم.
مشروع استعماري تحت غطاء سياحي
يؤكد فارس لـ"وفا"، أن المشروع ليس تطويرا سياحيا كما يدعي الاحتلال، بل هو جزء من سياسة ممنهجة لتهويد الموقع وفرض الضم، عبر إعادة تسمية المكان وتغيير ملامحه بما يخدم الرواية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن الاحتلال يعمل خلال الأعوام الثلاثة الماضية بوتيرة متسارعة على فرض وقائع على الأرض، كان أبرزها قرار حكومة الاحتلال في تموز 2023 بتخصيص 32 مليون شيقل لتطوير الموقع في المناطق المصنفة (ج)، وفصله عن القرية.
قوانين عنصرية ومزاعم تاريخية
وفي تموز 2024، قدم عضو الكنيست عن "الليكود" عميت هاليفي مشروع قانون لضم الآثار في الضفة إلى سلطة الآثار الإسرائيلية. المشروع، الذي أحيل إلى لجنة التعليم والثقافة، ارتكز على مزاعم تاريخية ملفقة، كما يقول فارس.
وفي السياق ذاته، صوتت الكنيست في 17 تموز 2024 على قرار يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن.
ولم يقتصر التهويد على المشروع السياحي؛ ففي تموز الماضي، أعلن الاحتلال الاستيلاء على 1300 متر مربع من أراضي سبسطية لإقامة ثكنة عسكرية تطل على معبد أغسطس وقصر عمري، ما يمنح الاحتلال سيطرة مباشرة على الموقع والمناطق المحيطة.
ويشير فارس إلى أن الاحتلال يمنع الطواقم الفلسطينية من الترميم والتنقيب حتى في المناطق المصنفة (ب)، ويسعى إلى ترويج روايته عبر خرافات وأكاذيب توراتية.
وأدت اقتحامات جنود الاحتلال والمستعمرين اليومية للموقع إلى تراجع أعداد الزوار بشكل كبير، ما أثّر مباشرة في عشرات العائلات التي تعتمد على السياحة، من أصحاب المطاعم والمتاجر إلى المرشدين السياحيين الذين باتوا دون عمل، وفق ما يؤكد فارس.
بدوره، وصف رئيس بلدية سبسطية محمد عازم ما يحدث بأنه اعتداء سافر على موروث ثقافي يزيد عمره على خمسة آلاف عام، محمّلاً حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، التي تُعد مخالفة صريحة للمواثيق الدولية التي تحظر على دولة الاحتلال التدخل في التراث التاريخي للمناطق المحتلة.
وأكد عازم أن البلدية ستتخذ جميع الإجراءات القانونية الممكنة لوقف هذا المخطط التهويدي.
ورغم كل الانتهاكات، تصر المؤسسات الفلسطينية على التمسك بروايتها، وفق ما يؤكده فارس، مشيرًا إلى أن وزارة السياحة والآثار تواصل توثيق الانتهاكات، ومخاطبة الجهات الدولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، لحماية سبسطية من محاولات الطمس والتهويد.
يشار إلى أن الجهات التخطيطية في دولة الاحتلال درست في نيسان الماضي 21 مخططا هيكليا لصالح مستعمرات الضفة الغربية و6 مخططات لصالح مستعمرات داخل حدود بلدية القدس، صادقت على 10 مخططات هيكلية في حين أودعت 17 مخططاً هيكلياً أخرى، واستهدفت مخططات شهر نيسان ما مجموعه 3030 دونماً من أراضي المواطنين.
ــــــ
/ إ.ر