الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 08/03/2021 12:23 م

سفيرة اللغة

 

نابلس 8-3-2021 وفا- رشا حرز الله

في العام 1963، وقع الخيار على الفتاة شهرة شعبان، ابنة مدينة نابلس، للسفر إلى الجمهورية الجزائرية ضمن مجموعة أخرى من الفتيات، للمشاركة في حملة "التعريب"، الهادفة إلى تعليم الطلبة الجزائريين اللغة العربية بدل الفرنسية.

لم يكن قد مضى على تخرج شعبان في حينه من "دار المعلمات" برام الله وقت طويل، حيث درست اللغة العربية، ورغم أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ 18، إلا أن عائلتها لم تعارض فكرة سفرها، والمشاركة في الحملة، بل على العكس لاقت حماسا كبيرا، واعتبرتها امتنانا للجزائر التي تساند فلسطين، ومشاركة رمزية لفرحة الجزائريين بنيل استقلالهم عام 1962، بعد أكثر من ثلاثة عشر عقدا من الاستعمار الفرنسي.

غادرت الفتاة شعبان فلسطين متجهة إلى الجزائر، وهناك واظبت على تعليم الطلبة الجزائريين العربية، وتستعيد ذاكرتها مشهدهم وهم يصطفون طوابير أمام المدرسة، تقول إن "الأمر لم يقتصر على الطلبة فقط، بل تعدى ذلك ليشمل فئات أخرى من الجزائريين، حتى سائقي التكسي، جميعهم كانوا متحمسين للتعلم".

شعرت شعبان بالفرح الكبير من إقبال الجزائريين على تعلم اللغة العربية، وبعد عامين من العمل، أنجزت خلالها الكثير، وتركت بصماتها في حياة عدد منهم خاصة ممن كانت لغتهم شبه معدومة، عادت إلى فلسطين، لتنضم إلى سلك التعليم وتباشر التدريس في مدينتها نابلس.

مضت أشهر على وجودها في نابلس، حتى وقعت نكسة حزيران عام 1967، التي أدت إلى احتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، والجولان السوري، وسيناء المصرية، وبدأت جولة جديدة في محاربة المحاولات الإسرائيلية تجهيل الطلبة وتضليلهم عبر شطب الدروس التي تروي تاريخ فلسطين وتزوير المعلومات وتغيير المصطلحات الفلسطينية، وتمردت على القوانين التي حاول الاحتلال فرضها، رافضة تنفيذها، رغم تعرضها للمضايقات.

تذكر شعبان كيف عملت سلطات الاحتلال على اقتحام المكتبات، وسرقة الكتب القيمة التي تتحدث عن تاريخ فلسطين، وعن الثورات العربية، أو تلك التي تتضمن نمط الحياة الاجتماعية الفلسطينية، لكنها بقيت تدرس طلبتها بما يمليه عليها واجبها الوطني، وبقيت كذلك حتى اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، حيث توقفت عن التدريس بعد أن حصلت على تقاعد مبكر.

عام 1988، سافرت شهرة برفقة زوجها الى الإمارات، ودفعها حب اللغة العربية لاستغلال فترة وجودها التي دامت 12 عاما، للعمل كمتطوعة في تعليمها للهنود والباكستانيين وبعض الأجانب، تقول إنها نجحت خلال 7 أعوام من التدريس، في جعل عدد كبير منهم يتحدث العربية، كما كانت تجمع الأطفال من غير العرب لتدريسهم القراءة والكتابة.

عادت شهرة الأم لولدين وثلاث بنات، الى مدينتها نابلس، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، تطوعت للعمل مديرة في مدارس نابلس الشعبية "البديلة"، خلال الاجتياح الإسرائيلي، وحولت منزلها إلى مدرسة، وعن ذلك تتحدث "كنا نجمع الطلبة لتدريسهم المناهج لمواكبة الفصل الدراسي، لأن نابلس كانت تعاني من حظر التجول الذي كان أحيانا يستمر لأسابيع وأحيانا أشهر، وخفت أن يخسر الطلبة دراستهم، بالنسبة لي التعليم خط أحمر".

يقارب عمر شهرة شعبان الـ 76، لكنها تقول إن لديها نفسا قويا لتعليم أبناء جيرانها وبناتهم أو الأقرباء حال احتاجوا أية معلومات أو استفسارات خاصة في مباحث اللغة العربية والاجتماعيات والرياضيات، ولليوم توصي ابنها الأصغر قيس المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، بضرورة المواظبة على إتقان اللغة العربية، وتحسين خطه الرديء بها.

ــــــــــــــــ

ر.ح

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا