جنين 1-9-2021 وفا- إيهاب الريماوي
يترقب أهالي مخيم جنين ليلة قاسية جديدة قد ينفذها جيش الاحتلال الاسرائيلي، في ظل الحرب المسعورة التي يشنها الإعلام الإسرائيلي ضد المخيم هذه الأيام، والتي أفضت إلى مجزرة ارتكبت في السادس عشر من الشهر الماضي، وأدت إلى استشهاد أربعة شبان، خطف الجنود جثتي اثنين منهما.
سبق المجزرة الأخيرة تحريض قاده الإعلام الإسرائيلي بحق المخيم، الأمر الذي عزز من رخاوة أيدي جنود جيش الاحتلال على زناد أسلحتهم.
عقب المجزرة تساءل صحفي إسرائيلي عن الحمض النووي الذي يميز أبناء مخيم جنين عن باقي المناطق، وعن الحالة النضالية التي تميز أهالي المخيم.
"أدت الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي المخيم البالغ تعدادهم نحو 11 ألف مواطن إلى رفضها، وصولاً إلى ممارسة كافة أشكال النضال ضد الاحتلال الذي قتل 176 من أبناء المخيم منذ عام 1967"، وفق ما يقول أحد أبرز الوجوه بالمخيم، جمال الزبيدي والمعروف بـ"أبو انطوان".
يعتبر "أبو انطوان" أن الجيل الحالي في المخيم أشد شراسة من الأجيال الذي سبقته، لأنه كان شاهداً على القتل والتدمير والتنكيل، وأصيب بحالة من اليأس للوصول إلى الحرية والعيش بأمان، خاصة أنه يكاد يخلو بيت في المخيم إلا وفيه شهيد أو جريح أو أسير، أو تعرض للاقتحام أو الهدم.
ماذا يحلم ابن المخيم؟ "في المخيم هناك جيل يرغب بالعيش في أمان لكن البقعة التي تقع على حوالي 473 دونماً في حالة تأهب وبركان مستمرين منذ عدة سنوات، حيث لم يتركها الاحتلال وشأنها يوماً، وهذا ما زرع في قلوب ووجدان شبانها حلم النضال والمقاومة ضد الاحتلال حتى يحقق كافة تطلعاته"، يقول "أبو أنطوان".
ينحدر أصل أهالي المخيم الذي بدأ بناؤه عام 1953 من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، ولأن المخيم قريب من قراهم الأصلية فإن العديدين من سكانه لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر.
ترتبط جنين ومخيمها تاريخياً بعدة مفاصل انتجت حالة من الحقد والرغبة الدائمة بالانتقام لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها معركة الشيخ عز الدين القسام عام 1936، والمعركة التي خاضها الجيش العراقي عام 1948، والمعارك التي خاضها حسن أبو سرية في واد عز الدين، وصولاً إلى المعركة الخالدة بمخيم جنين في نيسان عام 2002 التي استشهد فيها 52 من أبناء المخيم، وقتل 23 جندياً إسرائيلياً.
هذه المعركة أدت إلى تدمير 150 منزلاً تدميراً كاملاً، فيما أصبحت عشرات المنازل غير صالحة للعيش بعد التدمير الجزئي لها، وخلف ذلك نحو 435 عائلة بلا مأوى.
"خلال المعركة دفنا قسما من الشهداء في ساحة مستشفى جنين، وآخرين بجوار منازلهم، وكان هذا الحل المؤقت، وعند انتهاء المعركة تمكنا من الحصول على قطعة أرض بعد تبرع صاحبها بها، حيث أخرجنا جثث الشهداء الـ52 من مكانها ودفناها في يوم واحد في المقبرة الجديدة، التي اطلق عليها لاحقاً مقبرة الشهداء"، يضيف "أبو أنطوان".
ووفق المخرج محمد البكري الذي انتج فيلم "جنين جنين" عام 2002، فإن الإعلام الإسرائيلي يعمل على شيطنة الفلسطيني في مخيم جنين، وخلق ذلك نوع من الانتقام العصبي والهمجي لدى جنود جيش الاحتلال في تعامله مع أبناء المخيم.
ويضيف، بأن الهالة الإعلامية التي تشكلت بُعيد مجزرة مخيم جنين 2002، جعلته يُقدم على إعداد فيلم حول المجزرة، حيث دخل المخيم سراً بعد انتهاء المعركة بأسبوع رغم أن قوات الاحتلال كانت تغلق المنطقة وتمنع الدخول أو الخروج منها.
"دخلت المخيم بطرق التفافية طويلة، فبعد أن منعنا مع عشرات المتضامنين من الدخول إلى المخيم واحتجازنا على حاجز الجلمة قرب جنين، أخرج جندي إسرائيلي بندقيته من مركبته الخاصة وأطلق الرصاص الحي باتجاهنا ما أدى إلى إصابة زميلة لنا برصاصة في الكتف، ذهلني هذا المشهد، فتساءلك إذا كان هذا الجندي يرتكب جريمته بكل وقاحة أمام الكاميرات والمتضامين فماذا فعلوا داخل المخيم بعيداً عن الكاميرات، وحينها قررت الدخول إلى المخيم، حيث استأجرت كاميرا، ومهندس صوت، ودخلنا المخيم سراً"، يقول البكري.
"في نهاية المعركة توقعت أن أرى أناس محبطين، لكنني تفاجأت بمعنويات عالية رغم الدمار الهائل الذي ذكرني بالقصف الأميركي لفيتنام"، يضيف البكري.
أنتجت عدة أعمال درامية وسينمائية وروائية عن المخيم والمجزرة التي تعرض لها، فإلى جانب فيلم "جنين جنين"، أنتج مسلسل "الاجتياح" الذي أخرجه الفنان الراحل حاتم علي، ورواية "جنين 2002" للكاتب أنور حامد.
ويقول حامد: "معركة مخيم جنين كانت البوابة للحديث عن محور المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، كما كانت المعركة منطلقا للتأمل في الصورة الكلية للصراع".
ـــ
إ.ر