الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 27/05/2022 04:01 م

بُترت قدم نسيم ولم "تبتر" عزيمته

 

رام الله 26-5-2022 وفا- إيهاب الريماوي

منتصف ليلة الخميس الثامن من شهر نيسان/ أبريل الماضي، كان نسيم شومان (20 عاما) وصديقه أسيد حمايل (19 عاما) من قرية أبو فلاح شرق رام الله، يتمشيان وعدد من أصدقائهما في بلدة ترمسعيا قرب الشارع الرئيسي للبلدة المفضي لطريق رام الله– نابلس، وخلال ذلك أمطرهم جنود الاحتلال الإسرائيلي المتخفين على بعد عدة أمتار قليلة منهم بعشرات الطلقات بشكل مفاجئ.

أصيب نسيم- الذي يدرس تخصص المحاسبة في سنته الثانية بجامعة القدس المفتوحة- بثماني رصاصات من نوع "الدمدم" المتفجر بالقدمين، كما اخترقت رصاصة بطنه، أما أسيد فأصيب بخمس رصاصات في كلتا قدميه.

لم يشعر نسيم بالإصابة، سوى بالرصاصة التي اخترقت كبده، حيث هوى على الأرض، وأدرك أن جرحه خطير، فنطق بالشهادتين، ثم غاب عن الوعي.

هاجمهما جنود الاحتلال، واعتدوا عليهما بالضرب رغم خطورة إصابتهما، وفقدانهما للوعي، ثم قاموا بتقيديهما ونقلهما إلى المستشفى، نسيم نقل إلى مستشفى "شعاري تسيديك"، وأسيد إلى "هداسا" في مدينة القدس.

توقف قلب نسيم ثلاث مرات في الطريق إلى المستشفى، نجح المسعفون بإنعاشه من جديد، ووصل للمستشفى "دمه متصفي".

بتر الأطباء قدم نسيم اليمنى الذي يعمل سائقا لمركبة نقل بضائع غذائية منذ عامين، حيث يساعد والده على إعالة أسرته المكونة من سبعة أفراد، وأيضا من أجل أن يتمكن من الاستمرار في دراسته الجامعية.

"تعطلي عن هذا العمل هو مؤقت بالتأكيد، فأسرتنا كبيرة، وبحاجة إلى أن أساندها، فلن أبقى طريح الفراش، سأعود قريباً للعمل مجددا، ولن تكسر الإصابة عزيمتي"، يقول نسيم.

حين بترت القدم اليمنى من أسفل الركبة في اليوم الرابع من إصابته، تم استئصال 70% من كبده أيضا، كما تسببت إصابته بتعرض الشريان الوريدي في فخده الأيسر للقطع، ما تسبب له بنزيف حاد، فيما تعرضت رئته اليمنى للانقباض بمعنى أن هواء خارجيا دخل إليها نتيجة الثقوب التي تسبب بها الرصاص.

استعاد نسيم وعيه في اليوم الثامن من الإصابة، لم يدرك ما حل بقدمه بداية الأمر، شعر بأنه فقد جزءا منها، تحسسها ثم ظن أنه في حلم، أغمض عينيه في محاولة لعدم تصديق ما جرى، عاد إلى النوم مجددا، واستيقظ مرة أخرى، وأيقن أن ما شعر به صحيح.

"للأسف ما ظننه حلماً. كان حقيقة، فقدت قدمي اليمنى، صدمت في البداية، لكن لا خيار أمامي سوى أن أكون قويا، ورغم إصابتي كبلني الاحتلال من يديَ وقدمي اليسرى"، يقول نسيم.

لم يخضع نسيم للتحقيق، وإطلاق النار عليه وعلى صديقه أسيد لم يكن سوى لغرض "التسلية" من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي وفق ما يقول، ورغم ذلك لم يفارقوا باب غرفة العناية المكثفة التي كان يرقد بها، ولما نقل إلى غرف المرضى، كان محاطا على مدار الساعة بالجنود، الذين كانوا يمارسون عليه ضغوطا بشكل مستمر، رغم أنه انتزع قرارا بالإفراج عنه في اليوم الثاني عشر من الإصابة.

"كان الجنود في ساعات الليل يتعمدون منعي من النوم من خلال تسليط ضوء قوي على وجهي، وكان جندي يقف خلفي تماما طيلة الوقت، وآخر أمامي، وأنا مكبل اليدين والقدم، فلك أن تتخيل أي وضع كنت فيه، فيما منع أهلي من زيارتي، كذلك المحامي، الذي لم يتمكن من زيارتي إلا بعد أسبوعين"، قال نسيم.

لم يكن يتذكر نسيم ما حصل معه في أول أسبوعين، كما لم يتذكر أن صديقه أسيد أصيب معه يومها، لم يكن بكامل وعيه طيلة هذه المدة، غير أنه في اليوم الخامس عشر بدأ باستعادة ذاكرته شيئاً فشيئاً.

تعرض أسيد لتهتك في قدمه اليمنى بمنطقة الفخذ وخضع لعملية زراعة بلاتين، كما أن تلف عصب قدمه أفقده القدرة على الشعور بها، إضافة إلى إصابته بعدة كسور في القدم اليسرى.

بقي نسيم في المستشفى لمدة 33 يوماً مكبلاً، ولم تفك قيوده إلا بعد أن أجبرت عائلته على دفع غرامة مالية، وقتها تم نقله لاستكمال العلاج في المستشفى الاستشاري برام الله، وبقي هناك لمدة 10 أيام.

"لا مشكلة في أن قدمي اليمنى قد بترت، سأزرع قدما اصطناعية، وأعود لأمارس حياتي بشكل اعتيادي، وسأفعل ذلك عندما أنتهي من جلسات العلاج الطبيعي التي أخضع لها في قدمي اليسرى التي تعرضت لعدة طلقات، وأصبحت عضلاتها ضعيفة وبحاجة إلى تنشيط"، يقول نسيم.

نسيم هو إحدى الأمثلة على عدد من المعتقلين الذي تعرضوا لإصابات خطيرة أثناء اعتقالهم، كالمعتقل السابق جلال شراونة الذي اعتقل وأصيب عندما كان في السابعة عشرة من عمره، في بلدة بيت عوا جنوب غرب الخليل، ومكث غائبا عن الوعي في مستشفى "سوروكا" ببئر السبع لثمانية أيام كاملة، استفاق بعدها، ليجد نفسه مصابا بـ12 رصاصة من النوع المتفجر استقرت في كلتا رِجليه، وحول مباشرة إلى مستشفى سجن الرملة أو ما يسميه الأسرى "المشرحة"، أو مقبرة الأحياء.

وتعرض شراونة هناك لتحقيق قاس على مدار شهر كامل، وقدماه تنزفان، وحين نقل مجدداً إلى المستشفى اكتشف أن رجله ميتة وشرايينها متهتكة، وتعرضت لإهمال طبي متعمد بسبب عدم وصول الدم إليها، وقرر الأطباء بترها.

كذلك، للمعتقل الجريح عزمي سهل نفاع المحكوم بالسجن 20 عاماً، قصة مشابهة، حيث لا يستطيع مضغ الطعام إلا بعد خلطه بالخلاط، كونه فقد أسنانه العلوية، نتيجة إصابته برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في وجهه وأنحاء متفرقة من جسده، ما أدى إلى فقدان أسنانه العلوية، كما تم استئصال جزء من شفته العلوية.

والمعتقل ناهض الأقرع المعتقل منذ عام 2007 ومحكوم بالسجن ثلاثة مؤبدات، حيث جرى اعتقاله وإحدى قدميه مبتورة، وبعد زجه داخل معتقلات الاحتلال تم إهماله طبيا ما أدى لإصابة ساقه الأخرى بـ"الغرغرينا"، وعلى إثرها خضع لعملية جراحية لبتر ساقه الأخرى.

كما تعيش المعتقلة إسراء جعابيص المحكومة بالسجن 11 عاما الأمرين جراء فقدانها ثمانية أصابع وتعاني مِن تشوُهات وحروق بالغة الْتهمَت أكثر من 60% من جسدها، بعد اندلاع حريق في سيارتها عام 2015، قرب حاجز شرق القدس، بعد أن انفجرت الوسادة الهوائية داخل المقود، لتطلق عليها قوات الاحتلال النار قبل أن تعتقلها.

ومؤخرا، رفضت محكمة الاحتلال المركزية التماسا قدمته جمعية أطباء لحقوق الإنسان لإجراء عملية بالأنف للمعتقلة جعابيص، رغم توصية الأطباء على أن هذا العلاج يعدّ علاجا طبيا ضروريا لها، في حين رفضت محكمة الاحتلال العليا الرد بالإيجاب على الاستئناف الذي قدمته الجمعية ضد القرار.

وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن هناك نحو 700 معتقل مريض داخل معتقلات الاحتلال يعانون من أمراض مختلفة ومتفاوتة الخطورة.

ــــــــــ

ر.ح

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا