الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 08/08/2022 07:43 م

الفارسية.. القادم أصعب

"وفا"
"وفا"

 

الأغوار 8-8-2022 وفا- إسراء غوراني

على مدار سنوات طويلة، كانت المواسم الزراعية تتعاقب على أهالي خربة الفارسية بالأغوار الشمالية حاملة معها رزقا وفيرا، فالفارسية تعد من أكثر مناطق الأغوار حيوية وخصوبة.

خلال السنوات الأخيرة أخذ الحال في الخربة يتبدل للأسوأ، بسبب مخططات الاحتلال الرامية للاستيلاء على ما تبقى من المنطقة التي يستولي الاستيطان على غالبيتها، ويرى مختصون أن ذلك يأتي ضمن مخطط لإقامة مدينة استيطانية على أراضيها وربط العديد من مستوطنات الأغوار من خلالها.

لكن العام الحالي يعتبر الأصعب على سكان المنطقة، حيث تنفذ سلطات الاحتلال ممثلة بـما يسمى "مجلس المستوطنات" أعمال تجريف كبيرة على مساحة 30 دونما من أراضي الفارسية لإقامة "مدرسة دينية، ومجمع خدمات لمستوطني الأغوار".

ويتزامن ذلك مع ملاحقة المواطنين والاستيلاء على مركباتهم ومعداتهم الزراعية، وهو ما بدأ يشكل شللا لمصدر رزقهم الوحيد، وينذر بتهجير ما تبقى من سكانها نهائيا.

يزيد ضبابات، أحد مزارعي الفارسية، يعمل مع والده وأشقائه في الزراعة منذ سنوات طويلة، فالزراعة في هذه المنطقة الخصبة تتوارثها العائلات عبر الأجيال.

يقول يزيد لـ"وفا"، إن سكان ومزارعي الفارسية يتعرضون لمضايقات مستمرة من المستوطنين وسلطات الاحتلال خلال السنوات الأخيرة، لكن العام الحالي شهد انتهاكات أكثر وأشد، خاصة منذ بدء عمليات التجريف خلال شهر نيسان الماضي لإقامة مدرسة دينية على أراضي الخربة، وهذه الانتهاكات تمس مقومات الوجود الفلسطيني في المنطقة وأهمها الزراعة.

من أكثر أشكال الانتهاكات التي ينتهجها الاحتلال مؤخرا في مناطق الأغوار عامة والفارسية على وجه الخصوص، الاستيلاء على المركبات والمعدات الزراعية، فمع مطلع شهر حزيران الماضي استولت سلطات الاحتلال على 22 مركبة خاصة وجرارا زراعية ومعدات زراعية من تجمعات الأغوار وغالبيتها من الفارسية، بعد ذلك بدأ "مجلس المستوطنات" باعتراض المركبات والجرارات الزراعية المتجهة للأراضي بشكل يومي وينفذ عمليات استيلاء عليها.

ويضيف يزيد: الاحتلال الآن يقضي على الزراعة في المنطقة نهائيا، فبعد أن تراجعت الثروة الحيوانية في المنطقة خلال السنوات الماضية بفعل استيلاء الاحتلال على المراعي بذرائع مختلفة ومنع الرعاة من وصولها، يعمل الآن على القضاء على الزراعة التي تعتاش منها غالبية العائلات الموجودة في الفارسية حاليا.

كان مزارعو الفارسية في هذا الوقت من كل عام يستعدون لزراعة محاصيلهم التي ينتظرون نتاجها مع بدايات فصل الشتاء المقبل، فيعملون على حراثة أراضيهم وتسميدها تمهيدا لزراعتها خلال الشهرين الحالي والمقبل، لكنهم الآن يقفون عاجزين بسبب ما يقوم به "مجلس المستوطنات" الذي يلاحق المركبات الزراعية التي يعتمدون عليها في الفلاحة.

يزرع يزيد ووالده وأشقاؤه عشرات الدونمات بالخضروات على مدار ثلاثة مواسم زراعية كل عام، ويعتاشون مع عائلاتهم منها بشكل أساسي، لكنهم الآن لا يعرفون إلى ماذا سيؤول حالهم، قائلا: "نحن الآن مشلولو الحركة ولا نعرف ما مصير مواسمنا المقبلة".

ويضيف: "ما يجري الآن يحمل مؤشرات خطيرة أن الاحتلال ينوي تهجيرنا نهائيا لضم أراضينا للمستوطنات المحيطة".

من جهته، يوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة أن الاستيطان بدأ في الفارسية منذ احتلال الأغوار عام 1967، وبعد ذلك أخذ الاستيطان فيها منحى تصاعديا، وخلال العشر سنوات الأخيرة تجري أعمال حثيثة لتوسيع للمستوطنات القائمة والاستيلاء على المزيد من الأراضي، علما أن الاستيطان يستولي الآن على 80% أراضي الفارسية.

منذ احتلال الأغوار عام 1967 دمر الاحتلال خربة الفارسية وهجر غالبية سكانها، قبل ذلك كان يسكن الخربة 5 آلاف نسمة وفقا لتقديرات محلية، لكن العدد تقلص بشكل كبير على مدار السنوات المتلاحقة بفعل عمليات الاستيلاء والهدم التي ينفذها الاحتلال، وتشير الأرقام لدى جهاز الإحصاء المركزي إلى أن عدد سكان الخربة عام 2020 بلغ 125 نسمة فقط.

وتقام على أراضي الفارسية وفي محيطها عدة مستوطنات، منها: "ميخولا، وشدموت ميخولا، وروتم، وسلعيت"، وإضافة لهذه المستوطنات أقيمت على أراضيها أربع بؤر استيطانية خلال الست سنوات الأخيرة.

ويشير دراغمة إلى أن الاحتلال وضع خلال السنوات الماضية مخططا متكاملا لإقامة مدينة استيطانية في الأغوار تلتهم أراضي الفارسية وهو مخطط قديم جديد.

ويضيف: "منذ ذلك الحين بدأت عمليات توسعة المستوطنات القائمة وخاصة مستوطنات "روتم، وميخولا، وشدموت ميخولا" على حساب أراضي المواطنين في الفارسية، مؤكدا أن أعمال التجريف التي جرت على أراضي الخربة مؤخرا لإقامة مدرسة دينية ومجمع دوائر للمستوطنين يشير إلى أن الاحتلال يسارع لتنفيذ مشروع المدينة الاستيطانية وربط مستوطنات الأغوار ببعضها البعض، ونتيجة لهذا المشروع من المتوقع الاستيلاء على خربة الفارسية بشكل نهائي.

وحول تصاعد وتيرة ملاحقة المركبات والمعدات الزراعية في المنطقة والاستيلاء عليها، أكد دراغمة أن هذه الانتهاكات تتكامل مع أعمال التوسع الاستيطاني في المنطقة بهدف تهجير المزارعين والسكان من المنطقة نهائيا عبر القضاء على مقومات الزراعة التي تعتبر مصدر الرزق الأساسي لغالبيتهم.

ويضاف ذلك لما انتهجه الاحتلال على مدار السنوات السابقة من محاربة الثروة الحيوانية في المنطقة عبر الاستيلاء على المراعي ومنع الرعاة من وصولها، مؤكدا أن محاولات التهجير القسري لسكان المنطقة بدأت منذ سنوات طويلة، وتشهد هذا العام تصاعدا كبيرا.

وحول أسباب تصاعد استهداف الاحتلال لمنطقة الفارسية تحديدا، أكد دراغمة أن ذلك كونها منطقة حيوية تربط بين مختلف مناطق الأغوار وتوصل إليها، وفي حال تنفيذ مخطط ربط المستوطنات وإقامة مدينة استيطانية فيها فإن ذلك سيقطع الطريق عن باقي تجمعات الأغوار ويعزلها.

وتوضح المعطيات لدى معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) أن الاستهداف الإسرائيلي لمنطقة الفارسية بشكل خاص مؤخرا يأتي كجزء من إجراء إسرائيلي ممنهج يهدف إلى الاستيلاء على المنطقة برمتها ودفع سكانها للرحيل.

وتضيف: أن الفارسية تتوسط عددا من المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة، وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لفرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة من خلال توسيع هذه المستوطنات لأهداف متعددة منها: بناء مستوطنات دينية، ومحطات طاقة شمسية، وغيرها من الاستخدامات، حيث تم طرح عدة مخططات خلال السنوات الأخيرة لتوسعة هذه المستوطنات.

وتؤكد (أريج): أن كل ذلك يأتي ضمن المخططات الإسرائيلية لفصل منطقة الأغوار عن بقية محافظات الضفة الغربية، وتعود هذه المخططات إلى العام 1967، حيث أخضع جيش الاحتلال الإسرائيلي هذا المقطع لقوانين إسرائيلية خاصة، إضافة إلى الاستيلاء على أجزاء كبيرة منه وبناء المستوطنات غير القانونية عليها، والاستيلاء على مساحات شاسعة أخرى تحت مسميات مختلفة منها مناطق إطلاق النار، والمناطق العسكرية المغلقة، والمحميات الطبيعية، وغيرها.

ـــــــــــ

إ.غ

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا