نابلس 23-8-2022 وفا– زهران معالي
يتصاعد الجدل، منذ مطلع العام، حول تخوفات العاملين داخل أراضي عام 48، من الآثار المترتبة على قرار الحكومة الإسرائيلية تحويل اجورهم ورواتبهم إلى البنوك الفلسطينية، وهو الأمر الذي دفعهم لخوض إضراب عن العمل يوم الأحد الماضي على بعض المعابر، احتجاجا على القرار.
وعبّر العامل الذي عرف نفسه بمراد، عن تخوفه من قرار تحويل الرواتب، خشية من أن يتم تحويل الأتعاب والأجور لدى المشغلين الإسرائيليين إلى صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي حرمانه من الحصول على أتعابه دفعة واحدة.
فيما يؤكد العامل لؤي (..)، أنه يخرج يوميا في الثالثة فجرا من إحدى القرى شمال الضفة الغربية ويمضي قرابة 14 ساعة بين أزمة المعبر والطريق والوصول إلى مكان عمله داخل أراضي عام 48، ليؤمن قوت عائلته، ويضطر لدفع 2500 شيقل شهريا مقابل تصريح العمل. ويؤكد أنه لا يعمل مع مشغل إسرائيلي معين بل يعمل بنظام المياومة والأجر الأسبوعي، متسائلا عن مصير راتبه في حال تطبيق القرار، وما إذا كان القرار يريحه من دفع 2500 شيقل مقابل تصريح العمل؟ وما إذا كانت ستفرض الحكومة الفلسطينية ضرائب في حال جرى تحويل راتبه؟
وتظهر قسيمة راتب لأحد العاملين داخل أراضي 48 عمل لمدة 14 يوما، تلقيه راتب 3492 شيقلا، بعدما كانت المدفوعات 3975 شيقلا تشمل راتبا أساسيا وسفريات وأيام عطلة، جرى اقتطاع خصومات منها بلغت 482 شيقلا تتضمن ضريبة الدخل 131 شيقلا، وتأمينا وطنيا وطابعا صحيا وتقاعدا وخصم قطاع البناء وفرص مساواة.
ورغم تخوفات العمال من القرار الذي أجلت الحكومة الإسرائيلية تطبيقه منذ بداية العام أكثر من مرة، إلا أن جهات رسمية ونقابية وخبراء اقتصاديون يؤكدون أن القرار يصب بمصلحة العامل الفلسطيني ويثّبت حقوقه ومستحقاته أمام جشع سماسرة التصاريح وأرباب العمل الإسرائيليين.
ويشير الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، إلى أن القرار متصل بسياسات الحكومة الإسرائيلية لتشديد استخدام النقد في التبادلات التجارية داخل الاقتصاد الإسرائيلي، ويهدف لمحاربة التهرب الضريبي من المشغلين الإسرائيليين والظواهر غير المشروعة، ولتنظيم التعاملات المالية من خلال المؤسسات المالية الرسمية.
ويشير إلى أن القرار يساعد العمال الفلسطينيين على ترسيم العلاقة مع المشغلين الإسرائيليين بشكل قانوني وتثبيت حقوقهم ومستحقاتهم، ولحل أي نزاع في المستقبل مع أرباب العمل، مؤكدا أنها خطوة ايجابية للعامل والاقتصاد الوطني.
وينوه عبد الكريم لـ"وفا"، إلى أن القرار في حال تطبيقه سيخفف من مشكلة تكدس الشيقل كعملة ورقية أو معدنية داخل خزائن المصارف التي باتت قضية تؤرق البنوك في السنوات الأخيرة، كما يساعد تحويل الرواتب الى البنوك من خلال توسيع الودائع على عمل استثمارات جديدة في الاقتصاد الفلسطيني.
وحول تخوفات العمال، يوضح عبد الكريم أنها ناتجة عن أزمة ثقة بين العمال والقطاعات الأخرى والحكومة، من تخوفات فرض إجراءات جديدة قد تحصل بالمستقبل كالضمان الاجتماعي أو غيره، مشددا على ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي من الجهات المختصة الفلسطينية فيما يتعلق بملف تحويل الرواتب والتوضيح للعامل ماهية القرار والآليات التي سيتم تطبيقها بشكل واضح يضمن حقوقهم، منوها إلى أن القرار ربما يحتاج للعام القادم بكامله حتى يطبق بشكل فعلي.
وشدد عبد الكريم على أنه لا يستطيع أحد السيطرة على أموال العمال مؤكدا أنها حق فردي لهم، مشيرا إلى أنه حسب بروتوكول باريس الاقتصادي، فإن ضريبة الدخل التي تخصم من حسابات العمال داخل أراضي الـ 48 على قسيمة الراتب يحول جزء منها للخزينة الفلسطينية، ولذلك لا يمكن فرض ضرائب دخل جديدة على العاملين كونه يعتبر ازدواج ضريبي.
وكان رئيس الوزراء محمد اشتية أكد خلال جلسة مجلس الوزراء أمس الاثنين، أن القرار الإسرائيلي المتعلق بتحويل أجور العمال إلى البنوك الفلسطينية، لن تترتب عليه أي ضرائب من قبل الحكومة، لا ضريبة دخل ولا ضريبة قيمة مضافة.
وشدد رئيس الوزراء على أن هذا القرار لن تترتب عليه أي رسوم أو عمولات من قبل البنوك، وفي حال واجه أي عامل مشاكل مع البنوك عليه التوجه إلى سلطة النقد الفلسطينية.
رئيس الدائرة القانونية في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين وعضو الأمانة العامة، محمد البدري تحدث لـ"وفا"، بأن الاتحاد مع تحويل رواتب العمال للبنوك الفلسطينية، كونها مصلحة نقابية بحتة وتؤدي إلى التخفيض من ظاهرة سماسرة التصاريح، وجلب حقوق العامل الفلسطيني، حسب قانون العمل الإسرائيلي كون العامل الفلسطيني أصبح يعامل معاملة العامل الأجنبي في الداخل.
وأشار إلى أن من يحارب القرار هم سماسرة التصاريح والمشغلين الإسرائيليين؛ كونهم هم من سيدفع ثمن القرار، حيث ستصبح قسيمة الراتب للعامل واضحة لدى الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية، وعليه جميع حقوقه ومكتسباته وهذا يحاربه سماسرة التصاريح.
ونوه البدري إلى أن القرار هو من الحكومة الإسرائيلية ولا نستطيع التغيير فيه، لكننا مع القرار بشرط ألا يكون له أي أثر مالي أو خصميات لتحويل هذه الرواتب كما صرح رئيس سلطة النقد فراس ملحم.
وحول العمال الذي يقبضون بشكل يومي أو أسبوعي أو على القطعة، أوضح البدري أن هؤلاء يشكلون جزءا كبيرا من العمال، وأن هذا يتطلب معالجة حثيثة مع الجانب الإسرائيلي والجهات المختصة الحكومية.
وشدد على ضرورة الإرشاد والتوضيح للعمال من سلطة النقد والمالية ووزارة العمل والجهات المختصة، وعمل لجنة تناقش مع الجانب الإسرائيلي آليات العمل حتى يتلقى العمال أجوبة على تخوفاتهم.
ونوه إلى أنه ووفق قسيمة راتب العامل التي تسمى "تلوش" تتضمن خصومات تصل قرابة 500 شيقل لصالح ضريبة الدخل والتأمين الصحي والتأمين الوطني والتقاعد وخصومات أخرى، يشير إلى أن العامل المفروض أن يعامل معاملة العامل الأجنبي يجب أن يحصل على تأمين صحي ورسوم انتساب للجهات الإسرائيلية القانونية، وأن هذه الاقتطاعات تشبه العاملين الفلسطينيين في دبي وقطر وغيرها، حيث يخصم من راتبه رسوم انتساب لتلك المؤسسات، ويجب أن يقدم له خدمات مقابل ذلك.
وأضاف البدري أن الجانب الاسرائيلي يدعي أنه يريد أن يعامل العمال الفلسطينيين كالعمال الاجانب، وإذا طبق ذلك فهذا يكون بمصلحة العامل الفلسطيني بحيث يستطيع أن ينتسب للتأمين الوطني الإسرائيلي وللحماية الاجتماعية وغيرها.
وتشير إحصائيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن قرابة 34 ألف عامل اشتروا التصاريح من سماسرة من أصل 125 ألفا، بمبالغ تتراوح من 2000-4000 بين تصاريح بناء وأخشاب وزراعة وخدمات عمال منازل وخدمات منزلية.
وأشار إلى أن المشغل الإسرائيلي سواء سمسار أو غيره كان لا يصرح عن راتب العامل الحقيقي، بمعنى إذا كنت تعمل حسب ساعات العمل الإسرائيلي مثال 20 ألف شيقل شهريا، كان المشغل يصرح فقط عن 14 ألف شيقل، ومبلغ 6 آلاف المتبقية كانت توفير على المشغل الإسرائيلي وسمسرة تصاريح.
وتابع: كاتحاد عام نراقب الموضوع ويهمنا مخاوف عمالنا وحفظ حقوقهم وعدم تعرض رواتبهم للخصومات وغيره، وضريبة الدخل تم التأكيد عليها من قبل رئيس سلطة النقد أن العمال يدفعوا ضريبة بالداخل ولا يجوز أن نخصم ضريبة أخرى، حيث إسرائيل تخصمها وتحولها للجانب الفلسطيني.
من جهته، أكد وزير العمل نصري أبو جيش في حديث إذاعي بأن قرار تحويل الرواتب هو ليس بجديد اتخذته الحكومة الإسرائيلية قبل قرابة العام، وكان مفترض تنفيذه بداية العام 2022 ونتيجة اعتراض المشغلين الإسرائيليين أجل حتى شهر نيسان/ ابريل ثم تأجل إلى الأول من أغسطس/ آب وآخر قرار أجل إلى 17 الشهر الجاري.
وأشار إلى أن القرار يتماشى مع النظام النقدي الإسرائيلي الجديد في التحويلات المالية، وأن هذا السبب الرئيسي لاتخاذ القرار، مؤكدا أن القرار متضرر منه المشغل الإسرائيلي كونه سيجبره لأن يدفع مستحقات العامل وحقوقه مستقطعات من نهاية خدمة وتأمين وطني وصحي وإجازات، وتجبره أن يضعها في قسيمة الراتب.
وأشار إلى أن المشغل كان يسلم العامل راتبه كامل وفي قسيمة الراتب يسجل ألف شيكل وبالتالي يدفع ضرائب أقل، والمتضرر الثاني سماسرة التصاريح المستفيد الأكبر من بقاء النظام الحالي التي فرضتها الاحتلال منذ 2016، ضللوا العمال وحرضوهم ورفضوا القرار.
وأكد أبو جيش أنه لن يكون هناك أي استقطاعات ضريبية على العمال وأجورهم بل سيحصلون عليها كاملة وتكون أفضل بكثير، منوها إلى أن التجربة أكثر برهان فيما يتعلق بالعمال مع وزارة العمل خلال 25 عاما الماضية منذ عام 1994 حتى 2016 كانت الوزارة تقدم كل الخدمات للعمال الذين يعملون داخل أراضي 48 ولم تتقاضى شي مقابل ذلك.
وتابع: "العام الماضي حصّلنا 300 مليون دولار حقوق عمال وبدل إصابات وهذا ما يولد الثقة"، وتعهد للعمال بأن هذا حساب فردي لكل مواطن في كل قوانين سلطات النقد والبنوك لا يستطيع أحد الدخول إلى الحساب أو خصم أي شي من تلك الحسابات.
ويوم أمس، أصدرت سلطة النقد، تعليمات جديدة تلزم بموجبها المصارف بعدم استيفاء أية عمولات أو رسوم على أجور العمال العاملين في أراضي الـ48، كما طالبت المصارف بتسهيل إجراءات فتح الحسابات للعمال بهدف تسهيل استقبال واستلام أجورهم، والاستفادة من الشبكة المصرفية والخدمات التي تقدمها المصارف للجمهور على مدار الساعة.
وأوضحت سلطة النقد في بيان صدر عنها، أن العامل سيستلم أجره من البنوك كاملا دون اقتطاع أية رسوم أو عمولات أو ضرائب، وأن القانون يكفل سرية البيانات والمعلومات للمتعاملين مع المصارف، مبينة أن عملية تحويل أجور العمال للمصارف هي إجراءات فنية تهدف إلى تحويل العمليات المالية مع الجانب الإسرائيلي إلى معاملات إلكترونية من خلال الحد من استخدام النقد، والاعتماد بشكل أكبر على الشبكة البنكية بين الجانبين لتنفيذ التحويلات كبديل عن استخدام الكاش.
وأشارت إلى أن تنفيذ المرحلة الأخيرة من قانون خفض استخدام النقد (الكاش) في إسرائيل مطلع العام المقبل سيحول دون قدرة المشغلين في الداخل على تسديد أجور العمال نقدا، حيث سيصبح الحد الأعلى المسموح به للتعامل بالنقد 6000 شيقل.
وقالت سلطة النقد إن تنظيم عملية تحويل أجور العمال إلى المصارف يهدف بالأساس إلى الحفاظ على حقوق العمال، وتمكينهم من الاستفادة من الخدمات المالية والمصرفية وبرامج التمويل التي تقدمها المصارف، مشددة على أن الإجراءات الرقابية الاحترازية التي تطبقها على المصارف تهدف إلى حماية أموال المودعين والحفاظ على الاستقرار المالي، وتعزيز متانة الجهاز المصرفي الفلسطيني باعتباره رافعة لاقتصادنا الوطني، وداعما للتنمية، ومحركا أساسيا لجهود القطاع الخاص والعام في الاستثمار والنمو وتوفير فرص العمل.
ــــــ
ز.ع/ ف.ع