أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 10/09/2020 02:31 م

التهمة.. مولود جديد

المواطن محمد كلبونة وابنته مريم
المواطن محمد كلبونة وابنته مريم

 

رام الله 10-9-2020 وفا- رامي سمارة

تميم عصيدة أم لأربعة أبناء، قدمت في شباط/ فبراير من هذا العام من قطاع غزة حيث تقيم مع زوجها، لزيارة عائلتها وأسرة زوجها في قرية تل بنابلس مسقط رأسيهما، ولكن مولودها الجديد يقف عقبة أمام عودتها للقطاع.

وضعت تميم مولودها الجديد "نور الدين" في الأول من حزيران/ يونيو، ومنذ ذلك الوقت تحاول الحصول على تأكيدات بعدم إعادتها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على معبر الكرامة على الحدود مع  الأردن، كما حدث مع العديد من الأسر التي رزقت بمواليد بعد قرار القيادة التحلل من كافة الاتفاقات والتفاهمات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.

تقول "حاولت مرارا الاستفسار عن موعد محتمل لحل الأزمة إلا أن لا أحد يمتلك جواباً لذلك، سوى مزاج جندي إسرائيلي يمارس السادية على معبر الكرامة".

خويلد رمضان الأسير المحرر المنفي إلى قطاع غزة منذ العام 2011، لم يتمكن حتى الآن من رؤية ابنه الجديد سوى بصورة أو فيديو عبر شاشة الهاتف الخلوي، وهو يتخوف من أن يطول عمر الأزمة فيتعاظم شوقه لمولوده الجديد وأبنائه الثلاثة وزوجته، التي التحقت به لتعيش معه في غزة بعد إبعاده بعام.

"تواصلنا مرارا مع الجهات الرسمية الفلسطينية بعد أن سمعنا عن حالات مشابهة تم منعها من السفر للأردن بسبب المواليد الجدد. الاحتلال يتذرع بأن السجل السكاني ليس محدثاً ولا يمكنه السماح بسفر من لا اسم له على سجلاته. أفق الحل يبدو ضبابياً حتى الآن وهذا مدعاة للقلق".

قرار السفر لن يكون سهلاً، فالأسرة المكونة من خمسة أفراد يتوجب عليها حجز تذاكر للسفر إلى مصر كي يتمكنوا من التوجه إلى قطاع غزة، أسعار التذاكر باهظة بسبب أزمة جائحة "كورونا" عدا عن تكاليف المرور عبر معبر الكرامة، وتعقيدات السفر التي تفرضها إجراءات البروتوكولات الصحية المستحدثة.

"اتخاذ قرار بأن تتوجه زوجتي وأبنائي إلى الجسر فيه مغامرة كبيرة، إذا رفضت سلطات الاحتلال إعادتهم هذا سيكلفنا الكثير، وإذا لم نحجز تذاكر السفر إلى مصر سيكون لزاماً على زوجتي وأبنائي الخضوع لحجر صحي في الأردن في حال مرورهم من المعبر. الأمور حتى الآن تبدو معقدة".

لجأت أسرة خويلد إلى مؤسسة حقوقية، لفحص إمكانية مغادرة زوجته وأبنائه إلى قطاع غزة من خلال معبر بيت حانون، إلا أن الأمر بحاجة إلى موافقة محكمة إسرائيلية.

ولكن ليس أمام محمد كلبونة، مهندس نظم المعلومات الذي يقيم في الولايات المتحدة، طريق آخر.

رزق محمد بمولودة أسماها مريم في 18 حزيران/ يونيو، واليوم الطفلة البالغة من العمر شهرين قد تحرم والدها من عمله، وفي أحسن الأحوال قد تجد نفسها بعيدة عنه بسبب رفض سلطات الاحتلال سفر المواليد الذين رأوا النور بعد إعلان دولة فلسطين قطع كافة العلاقات مع الاحتلال.

قدم كلبونة إلى فلسطين في زيارة للعائلة مطلع شهر مارس/ آذار كانت ستدوم لأسبوعين فقط، واضطر للمكوث بفعل الإغلاقات التي ضربت في كافة مطارات العالم بسبب تفشي "كورونا"، وبعد أن وهبه الله طفلة جديدة وجد نفسه الآن مضطراً للبقاء بسبب القيود التي فرضها الاحتلال على سفر المواليد الجدد.

"تواصلت مع وزارة الخارجية وشؤون المغتربين وأسدوا لي نصيحة بعدم حجز تذاكر السفر أو التوجه إلى معبر الكرامة الحدودي، لأن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح بمروري مع عائلتي إلى الأردن، بسبب طفلة لم تتجاوز من العمر شهرين كما حدث مع عدة عائلات".

وكخيار ثانٍ، تواصل محمد كلبونة مع سفارة واشنطن لدى إسرائيل كونه يحمل الجنسية الأميركية، وأبلغوه بأنهم لا يتدخلون في موضوع يتعلق بـ"الأمن" الإسرائيلي، ورفضوا أيضاً مساعدته في الحصول على تصريح يخوله للدخول إلى مدينة القدس لاستصدار جواز سفر لمولودته الجديدة بما يمكنه وأسرته من السفر.

الجهة التي يعمل محمد لصالحها تفهمت حالته ووافقت على عمله عن بعد، رغم أن العقود والاتفاقيات التي يعمل على إنجازها تتطلب تواجدا جسديا في الكثير من الحالات مع الزبائن، الأمر الذي دفعه للتفكير في العودة وحيداً.

"المسؤولون في الشركة التي أعمل لديها أبدوا تعاطفاً معي وتفهموا حالتي، وتغاضوا عن حضوري خلال الأشهر الماضية، ولكن ذلك لن يدوم للأبد. أفكر مليا في ترك أسرتي في نابلس والعودة بمفردي إلى الولايات المتحدة، وهذا قرار سيترتب عليه الكثير".

الكثير سيترتب على القرار الفلسطيني بالتحلل من الاتفاقات المبرمة مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، بما في ذلك اتفاقات التنسيق الأمني والمدني، الذي أعلن عنه الرئيس محمود عباس في أيار/ مايو الماضي رداً على خطة الضم، كما يقول وكيل وزارة الداخلية يوسف حرب.

تعلم القيادة منذ اتخذت قرار وقف التنسيق كما يقول حرب، أن من يحاول الوقوف أمام سياسات الاحتلال سيدفع الثمن، ولكن ذلك جزء من النضال الوطني الفلسطيني في وجه إسرائيل التي لا تدخر جهداً لإضعاف القيادة والشعب، وتعمل على خلق حالة من الضغط عبر ممارسة الابتزاز السياسي، من أجل التراجع عن قرارات وقف العمل بالاتفاقيات".

المستشار السياسي لوزير الخارجية وشؤون المغتربين أحمد الديك، يرى أن ما يقوم به الاحتلال تعدى الابتزاز السياسي، ووصل إلى مرحلة تعمد الاعتداء على بعض رموز السيادة الفلسطينية، المتمثلة بشهادة الميلاد وجواز السفر.

ويضيف، "الاحتلال يعمد إلى فرض عقوبات جماعية على شعبنا بهدف استعادة التنسيق، لذلك يمارس كل ما يمكن من أجل خلق حالة من الضغط على القيادة الفلسطينية، ويفرضون المزيد من القيود والتضييقات، حتى يقوم المواطن بالضغط على القيادة من اجل التراجع عن قرار وقف التنسيق مع الجانب الاسرائيلي".

ويؤكد الديك أن المؤسسات الحقوقية مطالبة بالضغط المعاكس على سلطات الاحتلال لإجبارها على تسهيل سفر أبناء شعبنا المقيمين في الخارج للعمل أو الدراسة، بدلا من الاكتفاء بتوثيق الحالات التي منعت من السفر.

مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تواصل مع الحكومة الفلسطينية وحصل على قائمة بالحالات التي تم منعها من السفر لمتابعتها، وكذلك مكتب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف مطلع على هذا الملف، وتمت ايضاً مخاطبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويشير مستشار وزير الخارجية إلى أن الحكومة لا تطلع على الدور الذي تلعبه تلك المؤسسات، لكن يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته إزاء ما يقوم به الاحتلال، لا سيما أنه يمثل انتهاكا جسيما للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.

وكيل وزارة الداخلية يوسف حرب، تحدث عن ضغوطات عربية ودولية تمارس على الاحتلال لثنيه عن منع المواطنين من السفر، مؤكدا أن تدخل المؤسسات الدولية لوضع حد للانتهاك الإسرائيلي مرحب به، إلا أنه يرى أن قضية الاعتراف بالوثائق الفلسطينية وصلت إلى مرحلة مفصلية يجب العمل على استغلالها.

"القيادة تدرس كل الاحتمالات والبدائل، ولكن عدم اعتراف الاحتلال بالوثائق الفلسطينية بعد وقف التنسيق، يجب أن يدفعنا لتثبيت واقع جديد، تعترف فيه إسرائيل بتلك الوثائق، حتى دون أن يصلها تحديث السجل السكاني الفلسطيني".

العدد القليل من المسافرين بسبب إجراءات إغلاق المعابر لا يعكس حقيقة الأزمة التي خلقها الاحتلال، معظم من يغادرون هذه الأيام هم من المواطنين المقيمين في الخارج، وجزء منهم لديهم أطفال ولدوا بعد وقف كافة أنواع العلاقات مع إسرائيل بعد 20 أيار/ مايو، رغم أنهم يحملون جوازات سفر وشهادات ميلاد، فضلا عن أنهم مسجلون في ملحق بطاقات ذويهم الشخصية.

منذ ذلك التاريخ وحتى مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، أصدرت وزارة الداخلية 33 ألف شهادة ميلاد ونحو 37 ألف بطاقة هوية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين تم إصدار أكثر من 23 ألف جواز سفر في الضفة الغربية في الفترة ذاتها، أغلبها جوازات سفر مجددة، وهذا يعني أن الأزمة لا تقتصر فقط على المواليد الجدد، إذ قد تعيد سلطات الاحتلال -إذا أعيد فتح المعابر- أصحاب جوازات السفر المجددة بعد وقف التنسيق، بداعي أنها لم تتلقَ بخصوصها تحديثا من الجانب الفلسطيني، حسب وزارة الداخلية.

وزارة الخارجية رصدت قيام سلطات الاحتلال بإعادة 6 عائلات من معبر الكرامة، 3 منها بداعي أن لديها أطفالا ولدوا بعد وقف التنسيق، علماً أن أسماءهم مدرجة في الكشوفات التي تصل إسرائيل بأسماء المغادرين في دفعات الإجلاء بالتنسيق مع الاردن.

والحالات الثلاث الأخرى، لديهم أطفال ولدوا العام الماضي، إلا ان سلطات الاحتلال منعتهم من السفر دون أي سبب وتذرعت بأن الجانب الفلسطيني لم يزود الجانب الاسرائيلي بأسمائهم في الكشوفات الرسمية، وبعد التدقيق مع وزارة الداخلية تأكد زيف هذا الادعاء، حيث هناك ما يثبت أن الكشوفات التي رفعت تتضمن أسماء المعادين، ما يؤكد أن الإجراء الإسرائيلي تعسفي.

ــــــــــــ

ر.س/ر.ح

 

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا