أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 07/03/2025 05:04 م

في غزة حبات القطايف باتت ترفا

بسطة لصناعة القطايف في خان يونس جنوب قطاع غزة (تصوير: الأناضول)
بسطة لصناعة القطايف في خان يونس جنوب قطاع غزة (تصوير: الأناضول)

 

غزة 7-3-2025 وفا - محمد دهمان

في زاوية صغيرة من بلدة القرارة بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يقف همام العبادلة أمام صاج مستطيل، يسكب عجينة القطايف بحرفية ورثها عن والده، الذي أسس اسما في هذه المهنة منذ ما يقارب 40 عاما.

همام، الذي تعلم صناعة القطايف من والده الراحل، يصرّ على الاستمرار فيها رغم الظروف القاسية التي يمر بها القطاع جراء حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي طيلة 15 شهرا مضت، حرصا على بقاء اسم العائلة مرتبطا بجودة القطايف التي عُرفوا بها.

يقول همام: "نحن 6 إخوة نعمل في صناعة القطايف، ولكل منا فرعه في خان يونس، إضافة إلى خط إنتاج يزود محلات الحلويات والسوبرماركت".

ويضيف "عملنا يقتصر على شهر رمضان فقط، حيث تُعدّ القطايف من الحلويات الرمضانية الأساسية التي يحرص الناس على شرائها".

وهذا رمضان الثاني الذي يمر صعبا، نتيجة ما يمر به قطاع غزة من تبعات العدوان، والتي انعكست على كل تفاصيل الحياة، ومنها صناعة القطايف.

العدوان المستمر جعل الحياة في غزة أكثر قسوة، حيث يعاني المواطنون من ندرة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، إضافة إلى شح غاز الطهي، ما أثر بشكل مباشر على عمل المخابز وصانعي الحلويات.

يشرح همام معاناة عمله هذا العام قائلاً: زادت التكلفة بسبب شح المواد الأولية، وإن وُجدت فهي بأسعار خيالية، نحاول قدر الإمكان التخفيف عن المواطن وبيع القطايف بسعر التكلفة، لكن حتى بهذا السعر، هناك من لا يستطيع شراءها.

لم تقتصر الأزمة على ارتفاع الأسعار فقط، بل أثرت أيضاً على استمرارية العمل، وبحزن باد على ملامحه يقول همام: هذا العام اضطررنا لإغلاق ثلاثة أفرع والإبقاء على ثلاثة فقط بسبب الأوضاع الاقتصادية، لم يكن الأمر سهلاً، لكن تكلفة التشغيل أصبحت عبئا علينا، خاصة مع قلة الإقبال على الشراء.

هذا الإغلاق لم يؤثر فقط على العائلة، بل أيضاً على العمال الذين كانوا يعتمدون على هذه المهنة كمصدر دخل رئيسي في شهر رمضان، ومع تزايد البطالة في غزة، يصبح فقدان أي فرصة عمل أمراً كارثياً للكثيرين.

وليس ببعيد عن محل القطايف، تجلس مليكة أبو علي، وهي أم لطفلين، متأملة المارة والمشترين دون أن تقترب كونها لا تملك المبلغ الكافي لشراء هذه الحلوى الرمضانية، ما دفعها للحصول على المال من إحدى جاراتها.

تقول لمراسل "وفا": "لا نملك نقودا لشراء القطايف، نحن نعتمد على المعونات، لكن ابني الصغير طلب أن يأكلها، فاضطررت للاستدانة من جارتي في الخيمة المجاورة لي لأشتري له بضع حبات".

مليكة ليست وحدها في هذه المعاناة، فمعظم العائلات الغزية باتت تعتمد على التكايا والمساعدات الإنسانية بعد أن فقدت مصادر دخلها بسبب العدوان، ولم يعد الطعام ترفاً، بل أصبح تأمين لقمة العيش اليومية تحدياً بحد ذاته.

تراجع إنتاج القطايف إلى النصف نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما اضطر همام وإخوته إلى تقليل الكمية المنتجة، مقارنة بالسنوات السابقة. فالإقبال ضعيف، ومعظم الناس يفضلون إنفاق القليل الذي يملكونه على الاحتياجات الأساسية بدلا من الحلويات الرمضانية.

يضيف همام: "في السابق، كنا نعمل لساعات طويلة خلال رمضان، وكان الطلب كبيرا، لكن اليوم الناس بالكاد تستطيع شراء الطحين أو السكر، فكيف ستفكر بالقطايف وحشواتها من المكسرات أو الأجبان أو حتى التمر؟".

ارتفاع أسعار الحشوات يزيد العبء لم يعد ارتفاع الأسعار مقتصراً على عجينة القطايف، بل امتد إلى كل ما يرتبط بها من حشوات. يوضح همام: "حتى إن استطاع البعض شراء القطايف، فإن حشواتها أصبحت مكلفة للغاية". فالمكسرات، والجبن، وحتى التمر الذي كان يعدّ خياراً اقتصادياً بات سعره مرتفعاً".

 يضيف: "هناك زبائن كانوا يشترون القطايف بالكيلوغرام، الآن يشترون بضع حبات فقط، ومنهم من يكتفي بالنظر من بعيد".

أمل رغم الألم ورغم كل هذه الظروف، يصرّ همام العبادلة على مواصلة عمله، ليس فقط من أجل لقمة العيش، بل للحفاظ على إرث والده، الذي كان اسمه مرادفاً لجودة القطايف في خان يونس.

يختم حديثه قائلاً: "قد تكون الأيام صعبة، لكن رمضان سيظل شهراً يحمل معه الأمل، حتى في أحلك الظروف، سنواصل العمل ما استطعنا، وسنبقى نمد يد العون لمن يحتاج، لأننا في النهاية أبناء هذا الوطن، وعلينا أن نتكاتف لنصمد معاً".

وفي آخر إحصائية، ارتفع عدد الشهداء في قطاع غزة إلى 48,446، والإصابات إلى 111,852، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ولا يزال عدد من الضحايا والشهداء تحت أنقاض المباني المدمرة وفي الطرقات، وسط محاولات لإنقاذهم، غير أن طواقم الإسعاف والدفاع المدني لا تستطيع الوصول إليهم.

وبدأت قوات الاحتلال، عدوانا على القطاع أسفر عن استشهاد وجرح عشرات الآلاف من المواطنين، بينهم نحو 17,581 طفلا، وحوالي 12,048 امرأة، في حين لا يزال نحو 11 ألف مفقود تحت الركام وفي الطرقات، ما أدى إلى انخفاض عدد سكان القطاع بمقدار 6% مع نهاية عام 2024.

ويواجه نحو 96% من مواطني قطاع غزة (2.2 مليون نسمة) مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى أيلول/سبتمبر 2024، كما يواجه أكثر من 495 ألف مواطن (22% من السكان) مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الخامسة)، ومنهم معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.

ــــ

/ر.ح

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا