الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 04/06/2025 10:39 ص

الأضاحي تغيب قسرا للعام الثاني في قطاع غزة

 

غزة 4-6-2025 وفا- محمد دهمان

الأضاحي تغيب عن موائد الغزيين للعام الثاني على التوالي

غزة 4-6-2025 وفا- محمد دهمان

تغيب الأضاحي للعام الثاني على التوالي عن موائد المواطنين في قطاع غزة، بعد أن كانت إحدى أهم أساسيات العيد لدى العائلات الغزية التي تُصرّ على التمسّك بعاداتها الدينية والاجتماعية، وترى في الأضاحي رسالة صمود وثبات.

قبل بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتحديدا في عيد الأضحى في ذلك العام، تم ذبح نحو 17 ألف رأس من العجول، و24 ألف رأس من الأغنام، وشاركت في هذا الموسم نحو 130 ألف أسرة، بنسبة بلغت 28% من سكان القطاع.

واليوم، أصبح المواطنون في قطاع غزة جوعى، إثر حصار خانق يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، حيث يمنع دخول المواد الغذائية والأدوية، والمساعدات المتكدسة عند المعابر.

يأتي موسم الأضاحي الحالي مختلفًا في كل شيء، فالدمار حل في كل مكان، وسُوّيت معظم المناطق في الأرض، وبلغ النزوح مستويات كارثية، فالفقر والمجاعة يضربان بقوة، والأسواق خاوية من الأضاحي والأمل.

تؤكد المؤشرات الميدانية انهيارا شبه كامل في قطاع المواشي، وتوقف الكثير من المزارع عن الإنتاج، وفقدان مئات الآلاف من الأسر القدرة على شراء لحوم الأضاحي، ناهيك عن تراجع دور الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي كانت توزّع الأضاحي على الفقراء.

فالعيد هذا العام في غزة، ليس سوى يوم آخر من الحرب. لا زينة، ولا ملابس جديدة، ولا زيارات، ولا ذبح. فقط الخيام، والمستشفيات، والطوابير الطويلة على المخابز، وبقايا ذكريات لأعياد مضت كانت غزة فيها توزع لحم الأضاحي، أما اليوم فهي تقدّم أبناءها قرابين على مذبح العالم الصامت.

من مزرعة عامرة إلى زريبة خاوية

صاحب إحدى مزارع المواشي في محافظة رفح محمود الصرفندي الذي كان يبيع مئات رؤوس العجول والخراف قبل العدوان، وكان موسم عيد الأضحى مصدر رزق أساسيا له، يقول: "في عيد الأضحى الماضي أثناء الحرب، كان لدي حوالي 120 رأس غنم، وكان سعر كيلوغرام الخروف الحي يتراوح بين 20 دينارا أردنيا (100 شيقل) و25 دينارا، وهو ما كان مرتفعًا جدا. أما قبل الحرب، فكان متوسط سعر كيلوغرام الخروف الحي 5 دنانير فقط (25 شيقلا)، وكان الإقبال مرتفعا نسبيا، حتى في ظل الحصار المفروض منذ عام 2006".

ويضيف: "خلال الشهرين الماضيين، لم يتمكن من شراء سوى 30 رأسا من الخراف فقط، بسبب الانهيار الكامل في قطاع المواشي، والنقص الحاد في الأعلاف، وعدم وجود بيئة سليمة لتربية الحيوانات أو إعادة تكاثرها، إضافة إلى حالات النزوح المستمر".

وتابع الصرفندي: "اليوم، ارتفع سعر كيلوغرام اللحم الحي إلى نحو 40 دينارا أردنيا، أي حوالي 230 شيقلا، وهذا رقم خيالي، فلم يعد بإمكان المواطنين شراء الأضاحي، ولذلك نضطر إلى بيعها فقط إلى المؤسسات الخيرية إن وُجدت".

أعلاف نادرة وأسعار خارقة

ومن بين أبرز التحديات التي يواجهها المربّون، كما يذكر الصرفندي: "عدم توفر الأعلاف، وعدم دخول أي نوع من الأعلاف المستوردة منذ بدء الحرب، إذ ارتفع سعر كيلوغرام العلف من 1.5 شيقل قبل الحرب إلى 50 شيقلا الآن، كما أن البيطرة شبه غائبة؛ فلا يوجد أطباء بيطريون، ولا أدوية للمواشي، ولا تطعيمات وقائية، لأن الاحتلال يمنع دخولها".

ويشير إلى أن قصف الاحتلال طال المزارع الواقعة قرب المناطق الحدودية، التي كانت بعيدة عن السكان، ما أدى إلى نفوق آلاف المواشي، وانهيار بيئة التربية بشكل كامل. ويؤكد: "الخروف الواحد يستهلك يوميا كيلوغرام من العلف، والبقرة تحتاج إلى 12 كيلوغراما، ولهذا السبب لم يعد أحد يربي الأبقار في غزة؛ فالعدد المتبقي منها قليل جدا ويُستخدم فقط في الاستهلاك المنزلي، بسبب عدم توفر أعلافها الخاصة".

الجِمال.. من سلعة مهملة إلى نادرة وغالية

حتى الجِمال، التي كانت تُربّى بشكل محدود عند بعض قبائل البدو، تحوّلت إلى سلعة نادرة. قبل الحرب، كان سعر الجمل الواحد حوالي 1000 دينار أردني (5000 شيقل)، أما اليوم فقد تجاوز سعره 50 ألف شيقل (10,000 دينار)، رغم أنه يتغذى على الأعشاب وألواح الصبّار ولا يحتاج إلى أعلاف مستوردة.

لكن رغم ذلك، فقد أدى القصف، وحالة الفوضى والنزوح، إلى نفوق المئات من الجِمال، ما زاد ندرتها في السوق.

من كان يُضحّي أصبح ينتظر الصدقة

وفي شهادة مؤلمة، يقول إسماعيل مطر (60 عاما)، وهو مقاول بناء من جباليا: "كنت أضحي بعجل كل عام، نوزّعه على الأهل والجيران والمحتاجين. كانت أياما فيها بركة. أما اليوم، فلا بيت لنا، نعيش نازحين، والبيت صار خيمة، والمجاعة تنهش أجسادنا. لم نعد نملك قوت يومنا".

أما رئيسة العفيفي (70 عامًا)، وهي موظفة متقاعدة، فتقول: "منذ أدائي فريضة الحج قبل 15 عاما وأنا أضحي بخروف كل عيد، أوزعه على الفقراء. لم أكن أتصور أنني سأصبح يوما بحاجة إلى الصدقة. فقدت بيتي، وراتبي التقاعدي لا يكفيني للطعام أو الدواء، والأسعار مرتفعة جدا، ولا يوجد شيء في الأسواق".

وتُضيف: "كنا نعيش قبل الحرب بظروف صعبة، نعم، لكننا كنا نجد قوتنا ونضحك، أما الآن فصرنا نعيش جحيما حقيقيا. الجوع، المرض، النزوح، والقصف المستمر… من كان يذبح الأضحية صار هو الضحية، على مرأى من العالم، ولا أحد يتحرك".

ــ

/ إ.ر

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا