أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 05/06/2025 11:37 ص

بعد 58 عاما على احتلالها.. خطر التهويد يتهدد القدس

 

القدس 5-6-2025 وفا – بلال غيث كسواني

تمر الذكرى الـ58 للنكسة التي تصادف الخامس من حزيران/ يونيو، على شعبنا الفلسطيني بألم كبير، حيث يستذكر فيه الفلسطينيون احتلال إسرائيل الجزء الشرقي لما تبقى من مدينة القدس عام 1967، بما فيه البلدة القديمة وبالقلب منها المسجد الأقصى المبارك.

ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ محاولات قوات الاحتلال الإسرائيلي، تغيير طابع مدينة القدس المحتلة العربي والإسلامي، ضمن سياستها التهويدية المتواصلة، لفرص سيطرتها على المدينة والاستعمار والسيطرة على الأرض والإنسان.

خلال 58 عامًا، تسابقت حكومات الاحتلال الإسرائيلية المتعاقبة على ترسيخ الاستيلاء على القدس، عبر الهدم والتهجير القسري، وسحب هويات المقدسيين، وتغيير المناهج التعليمية، وتزوير التاريخ ومواصلة القمع اليومي للفلسطينيين، خاصة في محيط المسجد الأقصى وفي أحياء البلدة القديمة. ورغم كل ذلك، صمد المقدسيون، وأصبح وجودهم داخل المدينة عنوانا للمواجهة والتحدي.

الهوية والتعليم والديمغرافيا: معركة مفتوحة ضد الفلسطينيين

وقال مستشار محافظ القدس معروف الرفاعي، إن مدينة القدس اليوم وبعد 58 عامًا من الاحتلال تعيش حربًا متعددة الجبهات تشمل التعليم، والهوية، والديمغرافيا، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، حيث تهدف إسرائيل إلى فرض وقائع جديدة على الأرض.

وأضاف أن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2018، أعطى دفعة قوية لمشاريع التهويد الكبرى، خاصة تلك التي تتعلق بالسيطرة على الأراضي وضم الضواحي ضمن ما يعرف بـ"مشروع القدس الكبرى".

وأشار إلى أن إسرائيل تستهدف هدم نحو 32 ألف منزل فلسطيني في القدس، تم بالفعل هدم 600 منها منذ بداية العدوان على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما يشير إلى تصعيد خطير في سياسات الإخلاء والتهجير القسري.

وكشف عن وجود 27 مستعمرة إسرائيلية في محافظة القدس حتى عام 2022، تعمل على تفتيت النسيج الجغرافي والديمغرافي العربي، وتهدف إلى تقليص نسبة الفلسطينيين إلى أقل من 20% من سكان المدينة.

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تكثيف اقتحامات المسجد الأقصى، ويشارك فيها وزراء وأعضاء كنيست وقيادات من جماعات الهيكل، وسط محاولات متكررة لتغيير الوضع القائم داخل الحرم القدسي.

التهجير والتنكيل: أدوات الاحتلال لتفريغ المدينة

أكدت سكرتيرة هيئة العمل الأهلي والوطني في القدس رتيبة النتشة، أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم كل وسائله لإفراغ المدينة من سكانها الأصليين، من خلال الملاحقة الأمنية والاعتقالات والإبعاد، والهدم المنهجي للمنازل، والاستهداف الاقتصادي للمحال التجارية والمشاريع الفلسطينية.

وذكرت النتشة أن هناك تصعيدًا غير مسبوق في عمليات الهدم منذ بداية العدوان على غزة، حيث ارتفعت بنسبة 140% مقارنة بالفترة التي سبقتها، إضافة إلى الاعتقالات التي طالت قرابة 6000 مقدسي، بينهم أطفال ونساء وقيادات مجتمعية ودينية، أُبعد العديد منهم عن منازلهم أو عن المسجد الأقصى.

وقالت إن الاحتلال يسعى الآن لسحب الهويات المقدسية ضمن قرارات جديدة، أبرزها حالة زينة بربر، التي سُحبت هويتها لأنها ابنة معتقل فلسطيني، وهو ما يُعد سابقة خطيرة، كما تم سحب هوية المحامي صلاح الحموري سابقًا، بسبب نشاطه الحقوقي، فيما تُمارس إسرائيل عبر ما يسمى بـ"تسوية الأراضي" سيطرة قانونية وهمية لشرعنة الاستيلاء على أراضٍ مملوكة لمغتربين فلسطينيين.

تهويد التعليم والمقدسات: معركة على الوعي والرمزية

وأشارت النتشة إلى أن الاحتلال استهدف التعليم الفلسطيني في القدس بشكل منهجي، حيث تم سحب تراخيص عدة مدارس، وفرضت سلطات الاحتلال اعتماد مناهج محرفة تشوه الرواية الفلسطينية، ومنعت وما تزال تدريس مواضيع تتعلق بالنكبة أو التاريخ الوطني، كما يتم تفتيش حقائب الطلبة، ومعاقبة المدارس التي توزع كتبًا فلسطينية.

في المقابل، لجأت بعض المدارس المقدسية إلى تدريس مناهج دولية لتفادي الضغط الإسرائيلي، بينما تواصل إسرائيل بناء مدارس حكومية تتبع لها، تهدف إلى أسرلة التعليم وغرس مفاهيم الاحتلال في وعي الطلبة.

أما في المسجد الأقصى، فقد تم تركيب كاميرات ذكية وبصمات بيومترية على أبوابه، وبدأ المستعمرون الدخول من باب المغاربة والخروج من باب الرحمة، ضمن خطة لتغيير المسارات التقليدية للاقتحامات. كما تمت الاستيلاء على أجزاء من المقبرة اليوسفية المحاذية، تمهيدًا لإقامة مشاريع استعمارية مثل القطار الهوائي.

وشهد الشهر الأخير اقتحام أكثر من 7000 مستعمر للمسجد الأقصى، في رقم غير مسبوق منذ احتلال المدينة، وتم تنظيم "مسيرة الأعلام" الاستفزازية داخل باحات الأقصى، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك، ما يكشف عن نية مبيتة لفرض تقسيم زماني ومكاني في الحرم.

القدس في مواجهة مصيرية: صراع الوجود والاستمرارية

في الذكرى الثامنة والخمسين للنكسة، تقف القدس اليوم على مفترق طرق حاسم، فهي مدينة تتعرض لمحاولات اجتثاث ممنهجة من تاريخها، وثقافتها، وسكانها الأصليين، لكنها في المقابل ما زالت تقاوم وتبقي جذوة الهوية مشتعلة، من خلال صمود أهلها، وتشبثهم بأرضهم، وتواصلهم مع المسجد الأقصى.

ورغم خذلان المجتمع الدولي، فإن أهل القدس يخوضون معركة بقاء، وهم في الخط الأول للدفاع عن فلسطين. فإما أن تنتصر إرادة الصمود، أو يُستكمل مشروع تهويد القدس بالكامل، في جريمة صامتة تجري على مرأى ومسمع العالم.

ــــ

ب.غ/ر.ح

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا