غزة 13-10-2025 وفا– ريم سويسي
لم تكن المواطنة أرزاق الباهي، الحامل في شهرها الأخير، تتوقع أن يكون مولودها الأول "رائد" شاهدًا على أقسى مشاهد الحرب، وأن يرى النور داخل خيمة النزوح التي تقيم فيها منذ شهرين في منطقة المواصي غرب خان يونس، بعد أن دمر الاحتلال منزلها في حي الصبرة جنوب مدينة غزة قبل أقل من عام.
تجربة الولادة داخل خيمة، في ظل حرب لا ترحم، تُعد انتهاكًا صارخًا لأبسط حقوق الأمومة والطفولة، وتجسّد معاناة إنسانية مركبة لنساء يواجهن المخاض مرتين: مرة في أجسادهن، ومرة في واقع لا يرحم.
مخاض مرتين
تستعيد الباهي (21 عامًا) تفاصيل تلك الليلة بالقول:
"رأيت الموت بأم عيني، وكنت أعتقد أنها النهاية لي ولطفلي. جاءني المخاض في وقت متأخر من الليل، فحاولت الوصول إلى المستشفى لكن القصف كان كثيفًا، واتصالاتنا بالإسعاف لم تُجدِ نفعًا".
وتتابع بصوت متهدج:
"كنت أصرخ من الألم والخوف، وازدادت معاناتي لعدم وجود أي رعاية طبية، خاصة أنني فقدت حملين سابقين".
أسرع زوجها لطلب المساعدة من أحد الجيران، وهو طبيب يعمل في مستشفى ناصر، ليصل إلى الخيمة بعد دقائق قليلة، حيث تمكن بمساعدة والدة الزوج من توليدها بعد نحو أربعين دقيقة.
تقول الباهي:
"كان الرمل يملأ ملابسي وملابس طفلي. لم أستطع تنظيف جسدي أو تعقيمه، ولا يوجد مرحاض كما يجب. لفّوا مولودي بفوطة غير نظيفة دون قطع حبله السري، وبقينا هكذا حتى الصباح، إلى أن وصلت إلى المستشفى على عربة يجرها حيوان".
وتختم:
"لم يكن مخاضًا واحدًا كما يجب، بل مخاضًا مرتين؛ مرة للولادة، ومرة للبقاء على قيد الحياة".
فقدت المولود في النزوح
قصة مشابهة عاشتها آلاء مسعود (18 عامًا)، التي اضطرت هي الأخرى إلى الولادة في خيمة بعد عجزها عن الوصول إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، لتنتهي تجربتها بمأساة فقدان مولودها المنتظر.
يروي زوجها محمد سعيد (23 عاما):
"مرت أشهر الحمل بسلام، لكن مع اشتداد القصف على منطقتنا في دوار زايد شمال القطاع، اضطُررنا إلى النزوح سيرًا على الأقدام نحو دير البلح. وفي الطريق جاءها المخاض".
"جلست زوجتي على قارعة الطريق وهي تصرخ من الألم، فخرجت امرأة من خيمة قريبة تعرض المساعدة. حاولت توليدها رغم خوفها الشديد، وبعد ساعة نزل الطفل ميتًا".
ويضيف بصوت متهدج:
"حين سمعت زوجتي بخبر وفاة الطفل أُغمي عليها، ولم تفق إلا في اليوم التالي من شدة الصدمة والتعب".
ولادة في ظروف لاإنسانية
بين ولادة محفوفة بالمخاطر وطفل يفقد الحياة قبل أن يبدأها، تتجلى مأساة النساء في غزة اللواتي يلدن في الخيام، وسط غياب الرعاية الصحية وانهيار الخدمات الطبية.
إحصائيًا، تشير وزارة الصحة إلى أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى شباط/فبراير 2024، وُلد نحو 20 ألف طفل في القطاع، أغلبيتهم داخل مراكز الإيواء وفي ظروف قاسية، مع خروج معظم المستشفيات على الخدمة رغم وجود 36 مستشفى.
وتعاني هذه المرافق نقص الكوادر واكتظاظ الجرحى، فيما تقول الأمم المتحدة إن خدمات الأمومة باتت في أدنى سلم الأولويات، وغالبًا ما يُرفض إدخال النساء إلى المستشفيات أثناء المخاض.
كما وثّقت الأمم المتحدة حالات ولادة قيصرية دون تخدير كافٍ، وإخراج الأمهات بعد ساعات فقط من الولادة، حتى في العمليات الجراحية.
ويواجه المواليد الجدد أزمات متتالية بعد الولادة، في ظل سوء التغذية الحاد، ونقص الحليب الصناعي والحفاظات والملابس، ما يجعل حياة الأم والطفل صراعًا يوميًا من أجل البقاء.
ــــــــــ
/ ف.ع