الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 17/02/2021 01:20 م

"عيد" الدخول إلى واد عبد الرحمن

 

سلفيت 17-2-2021 وفا- يامن نوباني

ليس أكثر فرحا ووصفا من أن يعتبر شاكر فتاش (72 عاما) دخوله لأرضه في واد عبد الرحمن شمال سلفيت، بيوم "العيد"، وهو بالفعل كذلك، فالوصول للأرض يكون مرتين أو ثلاث مرات في العام، بمدة تتراوح بين يومين وأربعة أيام.

هو عيد، لكن بثياب العمل، وبدلا من الحلوى، هناك الفأس والمنجل والمنشار والمقص، وفيه يتم اللقاء بالأرض، أهل أصحابها، الشجر الذي يرعونه كأطفالهم، والتراب الذي ينظفونه من الشوائب والأشواك ويحيطونه بسلاسل متينة وجميلة.

إلى الغرب من سلفيت، يقع واد عبد الرحمن (ما يقارب ثلاثة آلاف دونم)، قريبا من المدينة الاستيطانية المسماة بـ"آرائيل"، الممتدة على أراضي مدينة سلفيت، وعدة قرى وبلدات تتبع لها.

في كل مرة يعود فيها المزراعون إلى أراضيهم يجدون إضافات تهويدية جديدة، كعمل مسارات للدراجات الهوائية ومنصات خشبية للقفز واللهو، وتخريب للسلال الحجرية، وحفلات شواء في عروق الزيتون وبقايا فحم وتكسير.

قبل عشرات السنوات كان الوادي المعروف بأراضيه الخصبة، يُزرع قمح وشعير وحمص وفول وفقوس وغيرها.. لكن، ومنذ عام 2006 قام الاحتلال بتحويطها بالأسلاك الشائكة والبوابات الحديدية، مانعا العشرات من أصحابها ومزارعيها الوصول إليها، إلا مرتين أو ثلاث مرات في السنة، ولأيام قليلة، وفي أحد الأعوام منعوا منعا باتا من ذلك، وفي أعوام أخرى كان قد اشترط ألا يدخلها من يعتبرهم "مرفوضين أمنيين".

في مشهد قاسٍ وفَرِح في آنٍ واحد، ينتظر عشرات المزارعين وأصحاب الأراضي على إحدى البوابات الحديدية منذ السابعة صباحا، أن يأتي جنود الاحتلال ويفتحون أقفال البوابة، التي ستفتح متأخرة عن الموعد بساعتين، أي في التاسعة، وهي حركات استفزازية من قبل الاحتلال في كل مكان مشابه لظروف واد عبد الرحمن في الضفة والقدس.

في وقت الانتظار، يشرب مزارع الشاي الذي أحضره معه، بينما يتسلى آخر بالنظر إلى الطبيعة المحيطة، ويتمشى ثالث قرب السلك الشائك وحيدا، ورابع يتأمل التغيرات الكبيرة التي صنعتها جرافات الاحتلال بالتجريف والتهويد في المنطقة لصالح توسع "آرائيل" وامتدادها.

"وفا" التقت المزارع خليل الطقطق، واحد من الحالمين بتذوق تينه ولوزه في الوادي، لديّ ثماني شجرات تين وثمانٍ لوزات داخل الجدار، منذ الجدار الشائك لم أتذوق من تيني أو لوزي، فالاحتلال يسمح لنا بالدخول في أوقات تكون فيها مواسم التين الناضج واللوز الأخضر قد انتهت.

"اللوز والتين في أرضي تأكله الطيور، أو المستوطنون خلال تجوالهم ومساراتهم في الطبيعة" يقول الطقطق.

وأضاف، لديّ خمسون دونما خلف الجدار، بدأ والدي زراعتها بالزيتون في العام 1970، واليوم فيها ما يقارب الـ450 زيتونة مثمرة، وهي بحاجة لي بشكل دائم، لكن المدة التي يمنحها الاحتلال للدخول إليها، وهي يومان أو ثلاثة أيام في العام، لا تكفي حتى لأقول لكل شجرة فيها "مرحبا".

وبين الطقطق: في المنطقة المقابلة، المسماة "حرايق عزرين" تعمل أكثر من عشرين جرافة في تجريف وتهويد مئات الدونمات من أراضي شمال سلفيت لصالح مستوطنة آرائيل، وتغير في معالم المنطقة، بينما نمنع نحن أصحاب الأرض ومالكيها من إدخال شتلة زيتون واحدة، أو إدخال مواد عضوية للعناية بشجرنا "الزبل"، وفي إحدى السنوات قام الاحتلال بإتلاف نقلة "زبل" قمت بإحضارها للأرض ولم يسمح بإدخالها، كما أنه يمنعنا من إجراء أي تغيير في الأرض، وان نقوم فقط بالعمل بما كان قبل الجدار، فنمنع مثلا من بناء سلاسل حجرية أو إصلاح أراض بور، عدا عن مضايقات المستوطنين لنا ومنها ملاحقتنا بكلابهم.

سمحوا لنا بالدخول مدة أربعة أيام هذا الأسبوع، منها يومان في هذا المنخفض العاصف والقطبي! أي أنه في الحقيقية لم ندخل أرضنا إلا يومين، هذا عدا عن أن موسم تقليم الأشجار مر عليه أكثر من شهر. قال الطقطق.

وتابع، أنا أعتمد في حياتي بشكل كامل على أرضي وزيتوني، لكنه لم يعد ينتج كما السابق، لأن الزيتون بحاجة لعناية مستمرة على مدار العام، خاصة الحراثة والتقليم، قبل الجدار كنت اقوم بحراثتها ثلاث مرات في العام، اليوم أدخلها ثلاث مرات سريعة لا تكفي لتفقدها وحراثتها لمرة واحدة.

المزارع شاكر فتاش قال لـ"وفا": الأرض هذه لأجداد أجدادي، حتى قبل أن يأتي الاتراك إلى بلادنا، أملك عشرين دونما مزروعة بـ180 شجرة زيتون، عمر الزيتونة منها أكثر من مئتي عام.

واضاف، لا نستطيع زراعة زيتونة واحدة، فهي بحاجة للري المكثف في بدايات زراعتها، ونحن لا نملك وقتا لذلك، لذا تبقى الأرض على حالها، بالكاد نحافظ على الزيتون القديم وعدم وصوله مرحلة اليباس.

وتابع: عمري 72 عاما، حين ادخل أرضي وكأنني ذاهب في نزهة، نحن مصابون بالحنين لزيتوننا، وزيتوننا حنون علينا. استحالة ان يمر صاحب أرض على شجره ويشعر أنه بحاجة إليه ولا يقدم له تلك الحاجة.

"أذهب إلى الأرض منذ كنت طفلا، زرعت واعتنيت فيها قبل أن تنشأ آرائيل، واليوم حين تفتح البوابة أشعر وكأنه "عيد" فالزيتون كما قال أجدادنا: يرفض اليباس لعدم حراثته أولغضبك من قلة انتاجه أو لعدم تقليمه وتزبيله، لكنه يصاب باليباس إن لم تطل عليه" قال فتاش.

بدورها، بلدية سلفيت تحاول بكل امكانياتها الوقوف مع المزارعين في الوادي وتقديم ما أمكن في سبيل استصلاح أراضيهم، حيث تدخل تراكتورات زراعية توفرها البلدية، للإسراع في حراثة الأرض.

_

ي.ن

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا