رام الله 1-1-2022 وفا- سامي أبو سالم
عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من كانون الثاني/ يناير 1965 لم تحمل صفة غير "الفلسطينية"، وإن برزت مسميات أخرى مثل "ديمقراطية" أو "يسارية" أو "قومية"، أو غير ذلك، فقد كانت كلها مسميات لا تعلو على الهوية الوطنية.
بيد أن فلسطينية الهوية لم تنزع عنها بعدها القومي والدولي؛ فانخرط فيها ثوريون من أنحاء العالم، ايمانا بعدالتها كما يقول بعضهم، وفلسطينيون انخرطوا فيها.
المقاتل العراقي علي البياتي (65 عاما) يعيش في مدينة غزة، ومن مواليد بغداد، قال إنه انضم لصفوف حركة "فتح"، وهو في مقتبل العمر عام (1968)، وشارك في معارك الثورة الفلسطينية.
وفي حديث مع مراسل "وفا" قال البياتي، إنه منذ أن كان شبلا تطوع في بغداد لجمع التبرعات للثورة، وبعد أن اشتد عوده التحق بمخيم "أبو علي إياد" التدريبي في العراق وانخرط في صفوف المقاومة قبل اعتقاله.
"اعتقلتني قوات الاحتلال سنة 1979 خلال اشتباك مسلح في عرض البحر، استشهد فيه اثنان من رفاقي، وتم أسري أنا ورفيقي اللبناني حسين خليفة،" قال البياتي، والد الخمسة أطفال.
حُكم على البياتي بالسجن مدى الحياة، قضى منها 20 عاما، بعضها في السجن الانفرادي، وأُفرج عنه سنة 1999 وفق "اتفاق أوسلو" بضغط من الرئيس ياسر عرفات بعد أن رفض الاحتلال الافراج عنه.
ويقول سفير فلسطين الأسبق لدى سلوفاكيا عبد الرحمن بسيسو، إنه خلال انخراطه في الثورة منذ خمسة عقود، تعرف عن قرب على عشرات الأشخاص الذين كانوا ضمن آلاف من العرب وغير العرب الذين التحقوا بالثورة.
وفي حديث (عبر التواصل الاجتماعي) من سلوفاكيا، قال بسيسو لمراسل "وفا": "لم تقتصر مشاركتهم على حمل السلاح، وإنما تنوعت لتشمل حقول العمل الثوري المندرجة في نطاق الأنشطة الإنسانية بأسرها".
وخلال عمله الاداري والاعلامي في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وترؤسه تحرير مجلة "بلسم" (1980-1988)؛ واكب بسيسو تجربة "المتطوعين" من جميع بلدان العالم للعمل مع الجمعية في مجالات أنشطتها الإنسانية، لا سيما في الرعاية الصحية والاجتماعية.
فعلى الصعيد الطبي يستذكر بسيسو الجرَّاحة السينغافورية البريطانية "سوي تشاي أونغ" التي تطوعت لعلاج أبناء مخيمات لبنان ثم غزة ووضعت كتاب "من بيروت إلى القدس"، والطبيب كريستوفر يانو (يوناني- كندي)، وغيرهما من أطباء وممرضين ومختلف التخصصات الطبية الذين جاءوا للعمل في مستشفيات الجمعية وعياداتها في مختلف البلدان.
ولفت الدكتور بسيسو، صاحب المؤلفات الشعرية والنقدية، إلى الجانب الثقافي فقال إن متطوعين صاغوا تجاربهم في أعمال فنية وأدبية مختلفة، مثل المخرجة السينمائية مونيكا ماورير التي أنتجت أفلاما بالشراكة مع الهلال الأحمر الفلسطيني، والطبيبة الإنجليزية الكاتبة بولين كاتنغ.
واشتُهرت في حركة "فتح" "كتيبة الجرمق"، التي احتضنت فدائيين غير فلسطينيين، وكان لها دور مفصلي في معارك الدفاع عن الشعب الفلسطيني.
وعنها يتحدث الباحث الفلسطيني الراحل شفيق الغبرا في فصول من كتابه "حياة غير آمنة: جيل الأحلام والإخفاقات"، عن الثورة الفلسطينية، ويشير فيها لـ"كتيبة الجرمق" أو "السرِية الطلابية"، ويذكر بالأسماء انخراط عرب من مصر ولبنان واليمن.
ويقول الدكتور فضل عاشور من غزة، إنه كان طالبا عندما قاتَل في صفوف "فتح" في لبنان، وشارك في معركة الدفاع عن بيروت خلال العدوان الاسرائيلي الواسع (1982).
وحول تجربته مع غير الفلسطينيين، قال عاشور لمراسل "وفا" إنه خلال معركة التصدي للعدوان شارك مقاتلون من أكثر من جنسية، استشهدوا أو أصيبوا أو خرجوا بسلام.
"هناك شهداء لا أنساهم وما زالت وجوههم في خيالي، كانوا معنا في معارك مصيرية في العام 1982 سوريون ولبنانيون وتونسيون وعراقيون،" قال عاشور الذي يعمل استشاريا في الطب النفسي.
وأضاف عاشور أنه يذكر سوريين ومصريين مثقفين ومفكرين أكراد وعرب آخرين من تونس، والمغرب، ومن بلدان خليجية كالبحرين والسعودية.
"كانت لبنان مختبرا مصغرا للحالة الثورية العربية التقدمية المعارِضة، وكانت الثورة الفلسطينية وفصائلها مكتظة بالمناضلين العرب وغير العرب"، قال عاشور.
لم ينخرط المتضامنون من مختلف أصقاع الأرض كأفراد وعناصر قتالية فقط، بل تقلدوا مناصب عليا ومواقع قيادية سواء عسكريا أو ثقافيا أو غيرهما، أبرزهم القائد الأردني نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إحدى فصائل منظمة التحرير، وأيضا نائبه قيس عبد الكريم (أبو ليلى) عراقي الجنسية، الذي انضم لصفوف الثورة منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي.
وأضاف عبد الكريم أنه وغيره من غير الفلسطينيين، لا سيما العرب، انضموا للثورة الفلسطينية، خصوصا بعد حرب حزيران 1967، لأنهم ينظرون إلى الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي كصراع الأمة العربية ضد الامبريالية والتخلف.
وأكد أبو ليلى أنه مستمر في الانضمام لصفوف الثورة، حيث لم يكن الانضمام مجرد نتيجة لدوافع عاطفية، بل كان نتيجة وعي وتفكير رصين، وهذا ينساق أيضا لكثير من الرفاق من المغرب وتونس وسوريا وأوروبا الذين شاركوا العمل النضالي بنفس الدافعية.
ومن أبرز المتضامنين مع الثورة، كان الايطالي فرانكو فونتانا، الذي انضم للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. أطلق على نفسه اسم (جوزيف ابراهيم) وقاوم ما يزيد على 20 عاما في صفوفها، توفي سنة 2015، والمطران السوري هيلاريون كابوتشي، الذي قضى 4 سنوات في سجون الاحتلال، وإلييتش راميريز سانشيز من فنزويلا، صاحب مقولة "أنا ثوري محترف في خدمة حرب تحرير فلسطين" عُرف بانضمامه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ومن أشهر الشهداء العرب؛ ميلود بن ناجح، من تونس، وخالد أكر، من سوريا، انضما للجبهة الشعبية- القيادة العامة ونفذا "عملية الطائرة الشراعية" أواخر 1987 قُتل فيها ستة من جنود الاحتلال، في قرية الخالصة شمال شرق صفد.
في الإطار الاعلامي، ما أن يفتح قارئ أعدادا من مجلة "فلسطين الثورة" (لسان حال منظمة التحرير الفلسطينية) أواسط الثمانينيات سيقرأ "المحرر المسؤول بيانوتس بسخاليس"، وهو صحفي يوناني (قبرصي) مناصر لحقوق الشعب الفلسطيني، انخرط في صفوف الثورة، وساهم بمهارته في التصوير والتحرير الصحفي ليعمل مديرا للمجلة، كما قال الكاتب الراحل حسن البطل لكاتب التقرير.
ويُعرف من غير الفلسطينيين الباحث المصري "سمير غطاس"، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية. حمل اسم "محمد حمزة" خلال انخراطه في حركة فتح وعمله كأبرز مساعدي الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" نائب القائد العام لقوات للثورة.
ويسرد غطاس في كتابه "في قبضتي" بعض المهام والوقائع خلال انضمامه للثورة مثل أسر حركة فتح لثمانية جنود إسرائيليين في لبنان بعد غزو 1982، وعملية التفاوض لتبادل أسرى مع الاحتلال.
ويصعب الحديث عن الثورة الفلسطينية دون الوقوف أمام الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، وكان لغير الفلسطينيين نصيب من الأسر كما يقول الأسير السابق وعضو المجلس الوطني الفلسطيني عبد الناصر فروانة.
وقال فروانة، المقيم بغزة، لمراسل "وفا"، إن 18 أسيرا عربيا، جميعهم من الأردن، لا يزالون في سجون الاحتلال حتى الآن، بعضهم حُكم عليهم بالسجن مدى الحياة.
وأضاف أن الحركة الأسيرة اعتمدت، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يوم 22 نيسان/ ابريل يوما للأسير العربي، وهو اليوم الذي اعتقل فيه اللبناني سمير قنطار عام 1979، وقضى 29 عاما في سجون الاحتلال.
وأشار فروانة، الباحث في شؤون الأسرى، إلى أنه عاصر في السجن أسرى عرب من مصر، ولبنان، والأردن، وسوريا، والسودان، والعراق، والمغرب، والجزائر، وتونس، والسعودية، وليبيا، وغيرهم.
وذكر -لا على سبيل الحصر- اليوناني ميخائيل بابا لازارو الذي انضم لحركة "فتح" وتعرض للتعذيب على يد السجانين الإسرائيليين، وتوفي في السجن، والياباني كوزو أوكاموتو وصدقي المقت من سوريا، وموسى نور من السودان.
ويقبع في سجون الاحتلال نحو (4550) أسيرا، من بينهم (32) أسيرة، و(170) قاصرا، حتى نوفمبر 2021، وفقا لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
لماذا انضموا للثورة؟
وحول أسباب انضمام غير فلسطينيين، يرى الاستشاري النفسي فضل عاشور، أن الاسباب التي كانت تدفع غير الفلسطينيين للانضمام لصفوف الثورة عديدة؛ فعدا الايمان العميق بالعدالة لقضية فلسطين واعتبارها قضية العرب جميعا وقضية القوى التقدمية في العالم، "لقد كانت الثورة بؤرة استقطاب للحالة الثورية في المنطقة والعالم الذي كان منقسما في مرحلة الحرب الباردة...".
وقال السفير الأسبق بسيسو، إن الدافع الرئيس يتلخص في الوعي الجوهري بحقيقة الصراع الدامي في فلسطين والعالم، ما شكل دافعا حقيقيا حفَّز أغلب ممن التحقوا بالثورة الفلسطينية على الانخراط فيها انتصارا للإنسانية مجسدا بالانتصار لفلسطين.
وأضاف، أنه "ووفق اطلاع شخصي وحوارات مباشرة" مع كثير ممن انضموا للثورة قالوا إنهم انضموا من أجل قضية تحررية عادلة، وآفاق وجود إنسانية حقيقية تنفي وجود العنصرية الصهيونية والتوحش البشري.
ولفت بسيسو إلى أنه من خلال مسؤولياته المتعددة عبر تنقله من الاتحاد العام لطلبة فلسطين وفدرالية التنسيق بالقاهرة والاعلام المركزي (صوت فلسطين من القاهرة) وجمعية الهلال الأحمر فقد لمس أن هذه الأجسام وغيرها من أجسام منظمة التحرير قد عززت حقيقة أن هذه الثورة نهضت ببعد انساني لمواجهة التوحش/ مجسدا في الصهيونية الاستعمارية، الأمر الذي شجع غير الفلسطينيين للانضمام.
وقال نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم، إن عدالة القضية الفلسطينية والبعد العروبي القومي للثورة كان سببا رئيسا "أشبه بمغناطيس جذب المناضلين من شتى أرجاء المعمورة لا سيما العرب".
وأضاف عبد الكريم أن جود شخصيات غير فلسطينية، كأفراد أو جماعات، تقلدت مناصب عليا في الثورة الفلسطينية كان له وقع ايجابي وملموس على عموم حركة التحرر الفلسطينية والثورة الفلسطينية في الأقطار العربية وعامل مشجع لغيرهم للانضمام لها.
وقال المقاتل العراقي علي البياتي، إنه انضم لصفوف الثورة كواجب انساني ووطني، تضامنا مع فلسطين، وشعبها الشقيق، وإيمانا بالقضية القومية العربية.
ويضيف "فلسطين هي أيضا بلدي وما يصيبها يصيب العراق وأي بلد آخر، هذا هو السبب الرئيس وما زلت أؤمن بذلك".
ــــــــــــ
/س.ك