بيت لحم 16-7-2022 وفا- وعد الكار
تجهز الستينية مريم صلاح والدة الأسير ناصر صلاح المحكوم بالمؤبد مدى الحياة الهدايا لإرسالها مع أحد أقاربها لخطيبة ابنها هناء فحّار في المملكة الأردنية الهاشمية. الهدايا تحمل في طياتها معانٍ عظيمة من الشوق والحب والوفاء.
تقول مريم إن قصة ابنها ناصر وخطيبته بدأت في العام 1999، حينما تقدمت العائلة لخطبتها وبدأت رحلتهم بمحاولة إصدار لم شمل ليتمكنوا من إقامة عرسهم في بلدتهم في دار صلاح شرق بيت لحم، ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت ذلك.
في العام 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى وتقطعت السبل بإمكانية جلب هناء إلى الضفة الغربية، وبعد أن هدأت الأوضاع قليلا تم عقد القران العام 2003، واستمرت المحاولات بإصدار تصاريح زيارة أو لم شمل، ولم تتيسر الأمور حتى العام 2006.
وتضيف أنه في إحدى ليالي كانون أول/ ديسمبر 2006 داهمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال منزل العائلة واعتقلت ناصر وتم الحكم عليه لاحقا بمؤبد مدى الحياة وخمس سنوات.
وتبين أن حكم المؤبد كان صدمة كبيرة للأهل، خاصة لهناء التي حاربت معه سنوات طويلة قبل أسره من أجل إصدار لم الشمل، وبعد أسره ما زالت تحاول حتى اليوم لتتمكن من زيارته داخل السجون، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
وتضيف أن بقاء هناء على العهد مع ناصر منذ أكثر من 23 عاما خلق في نفوس الجميع الأمل وأن الفرج قريب، مؤكدة أن تمسكها بناصر إلى هذا الحد جعلنا نشعر بإيمانها بأنهما سيعيشان يوما ما تحت سقف واحد.
وبصوت يملؤه الحنين تابعت: "وجود هناء في حياة ناصر يخفف عنه مرارة السجن ومعاناته، وتجدد في نفسه الحياة".
وتشير إلى أنه عندما صدر حكم المؤبد طلب ناصر من خطيبته أن تكمل حياتها بعيدا عنه بسبب حكمه العالي، لكنها رفضت بشكل قاطع وأصرت أن تبقى معه.
وتبين أم ناصر أن حياة الأسر ليست سهلة، فمعركة الاحتلال بانتزاع أبسط حقوقهم من السجان ما بين مد وجزر، ولعل أبسطها مطالبتهم بإدخال أنواع أطعمه تحرمهم منها سلطات الاحتلال كالملوخية والنعنع والزعتر والبقدونس.
وتستذكر الإضراب الجماعي الذي خاضه الأسرى عام 2017 وقالت إنها كانت في الأردن تزور هناء، ووصلها أنباء أن ابنها ناصر سيخوض الإضراب، حيث اعتدى عليه السجانون بالضرب واحتجزوه في زنزانة وعلى الفور أعلن إضرابه قبل أن يلتحق به جموع الأسرى بثلاثة أيام، والذي استمر فيه 45 وقتها يوما.
وتبين أن ابنها ناصر أوسط أخوته وأخواته الخمسة، كان نشيطا وصاحب القرار في البيت، وكان شغوفا بالكشافة، فقد أسس فرقة كشفية لطلبة المدرسة في بلدته وكان قائدها ويدرب أفرادها في ساحة البيت، حتى أنه اشترى حينها أدوات الكشافة وآلاتها على حسابه الشخصي.
وفي حديث مع هناء في المملكة الأردنية الهاشمية عبر الهاتف وصل صوتها متعبا تسأل وتستفسر إن كان بأماكننا مساعدتها في الحصول على أي وثيقة تمكنها من زيارة خطيبها الذي لم تره إطلاقا منذ العام 2003 إلا عبر الصور التي تخرج من السجن والتي كان آخر واحدة تصل لها في العام 2019.
تقول هناء: إن ملامح ناصر تغيرت وبدى بعض الشيب يغزو رأسه، فعندما تم أسره كان عمره 32 عاما وحاليا اصبح 48، مشيرة إلى أن هذه السنوات مرت عليها ثقيلة وطويلة.
وتضيف أن تمسكها بخطيبها هو عهد قطعته على نفسها، فحين ارتبطت به كانت 18 عاما وتعلمت وحاليا تعمل معلمة مدرسة على أمل أن يتحرر وتكتمل فرحتها وحلمها، موضحة أنها لم تلتفت لتعليقات البعض بأنها تضيع عمرها على وهم وسراب.
"الحياة مبدأ وحبي لناصر مبدأ جوهره قضية شعب ووطن وكرامة، لا يمكنني أن أتخلى عنه، فنذرتُ عمري لأجل هذا الإنسان النبيل الذي لم يبخل على وطنه بأجمل سنينه وأنا لن أبخل عليه بحبي وتقديري" تتابع هناء.
وتشير إلى أن في كل مرة كان يتم فيها الإعلان عن صفقات تبادل الأسرى يشتعل في نفسها الأمل وبأن الحرية قريبة، لكن حينما تتعرقل تلك الصفقات كان يتملكها الحزن، مؤكدة انها لا تفقد الأمل فهي متيقنة من أنه سيتنسم الحرية لا محالة.
وتؤكد أنها حاولت مرارا وتكرارا إصدار التصاريح او لم الشمل ولكنها في كل مرة يتم الرفض.
وتبين أن ناصر حصل على شهادة الثانوية العامة في العام 2017 ثم التحق ببرنامج البكالوريوس في علم الاجتماعيات وحاليا يتم فصله الدراسي الأول في برنامج ماجستير الدراسات الإسرائيلية، مؤكدة أنها دائما تشجعه على الاستمرار في طلب العلم وألا يتوقف أبدا.
وتشدد على أن أجمل خبر سمعته حينما أعلن الأسرى فك إضرابهم العام 2017، موضحة أنها كانت فترة عصيبة ومصير الأسرى مجهول ووضعهم الصحي سيئ وإدارة السجون كانت تمارس بحقهم إجراءات عقابية من خلال العزل في الزنازين.
وفي عودتها لذكرياتها، قالت: "لا يمكن أن أنسى أول هدية من السجن وصلتها عبر الأقارب، والتي كانت عبارة عن إسوارة من الخرز تحمل ألوان العلم الفلسطيني اشتغلها ناصر بيديه، وهي أغلى من أساور الذهب والالماس".
واختتمت هناء حديثها: "أمنيتي أن يخرج ناصر من السجن ويلئم شملهما ويعيشا حياة كأي زوجين في هذا العالم، "أنا أتممت عامي الأربعين وأمنيتي أن أعيش ولو ليوم واحد مع ناصر، امنيتي بسيطة ومعقدة في نفس الوقت".
-
/ م.ل