نابلس 7-3-2024 وفا- زهران معالي
انضمت إسبانيا إلى فرنسا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، في فرض عقوبات على مستعمرين بالضفة الغربية؛ بسبب أعمال العنف والقتل ضد الفلسطينيين، فيما تجري نقاشات داخل دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرارات مشابهة خلال الفترة القادمة.
في 2 فبراير/ شباط الماضي فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على أربعة مستعمرين؛ ثم تلتها كندا بفرض عقوبات على أربعة آخرين، ثم بريطانيا بعد أسبوعين بفرض عقوبات على أربعة مستعمرين آخرين، وبعدها منعت فرنسا 28 مستعمرا من دخول أراضيها، ويوم الخميس الماضي أعلنت إسبانيا عن فرض عقوبات على 12 مستعمرا في الدفعة الأولى، بسبب اعتداءاتهم على الفلسطينيين.
ويرى مراقبون بأن هذه العقوبات تعد سابقة هي الأولى من نوعها، وتأتي بعد ارتفاع اعتداءات المستعمرين ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية.
لكن تلك العقوبات فرضت تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطوة على تصرفات المستعمرين وكبح اعتداءاتهم؟.
إلى الشرق من مدينة نابلس، في تجمع العتماوية بالأغوار الوسطى، يبدو أن صدى تلك العقوبات لم يصل بعد للمستعمر "موشيه شارفيت" الذي ورد اسمه ضمن المستعمرين الأربعة على قائمة العقوبات البريطانية، بعدما "هدد وضايق واعتدى على رعاة أغنام فلسطينيين وعائلاتهم في وادي الأردن، ودفع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مجتمعا من الفلسطينيين يضم 20 عائلة إلى النزوح بعد أن اعتدى على السكان وأمهلهم 5 ساعات للمغادرة"، وفق وزارة الخارجية البريطانية.
ويقول المواطن يعقوب أبو كباش وهو واحد من 60 فلسطينيا يعيشون في التجمع لـ "وفا"، إن "شارفيت" التي كانت اعتداءاته تقتصر على طرد رعاة الأغنام والاعتداء عليهم قبل فرض العقوبات، صعّد من هجماته بشكل لافت وإجرامي.
"اليوم لا يمكننا الوصول لمراعي تبعد فقط 20 مترا عن خيامنا، "شارفيت" أغلق كل المراعي أمامنا، يوميا يقتحم التجمع برفقة عصابات فتية التلال بواسطة الخيول من التاسعة صباحا حتى ساعات الظهر، ويمارسون العربدة على السكان" يضيف أبو كباش.
ويشير إلى أنه على مدار الأسبوع الماضي، تصاعدت اعتداءات "شارفيت" وعصاباته الاستعمارية من فتية التلال ضد سكان التجمع، فلا تخلو ليلة من اقتحاماتهم للتجمع وإطلاق قنابل الإنارة تجاه المساكن المكونة من الخيام بشكل مباشر، بنية حرقها.
ويؤكد أبو كباش: "لا نستطيع عمل أي شيء، منذ سبعين عاما نعيش في هذا التجمع، وما يجري في الأغوار خطر كبير جدا، حالة سلب للأراضي وإغلاق للمراعي، والهدف إجبارنا على الرحيل والبحث عن أماكن أخرى، لابد من تحرك دولي ومحلي عاجل لوقف ما يجري في الأغوار".
وأقام "شارفيت" المدرج على قائمة العقوبات، بؤرة زراعية حملت اسم "مزرعة موشيه" عام 2020 بالأغوار الوسطى، ووجهت لائحة اتهام له بتنفيذ اعتداءان ضد التجمعات البدوية في المنطقة ومنع رعاة الأغنام الفلسطينيين من رعي مواشيهم، وفق مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس والأغوار الشمالية معتز بشارات.
وتشمل أساليب "شارفيت" وأعوانه من مستعمري "مزرعة موشيه" تنفيذ عمليات إلقاء الحجارة، والتهديد بالطعن والضرب والحرق، والتهديد بالكلاب، وقيادة المركبات إلى قطعان المواشي، والاقتحامات الليلية لمجتمعات الرعاة، وتنفيذ اعتداءات ضد نشطاء حقوق الإنسان المرافقين للرعاة.
يقول بشارات إن المستعمر "شارفيت" نصب خياما برفقة عائلته بالبؤرة الاستعمارية عند إقامتها، وتدريجيا تحولت الخيام إلى غرف جاهزة وتمددت بعدما انضم إليه مجموعة من عصابات "فتية التلال" ومنظمة "ريكافيم"، وبدعم لا محدود من مجلس المستعمرات وأعضاء في الكنيست وحكومة اليمين المتطرف، حتى بات يسيطر على 12 ألف دونم ويمنع الفلسطينيين من الدخول إليها ورعي مواشيهم فيها.
ويشير إلى أن أربعة مواطنين تعرضوا للإصابة جراء اعتداء "شارفيت" وعصابته على رعاة الأغنام الفلسطينيين، ثلاثة منهم بعد الحرب على قطاع غزة، كما تعرض 13 رأس من الأغنام لاعتداءاتهم .
"يوميا ينفذ "شارفيت" وعصابته من فتية التلال من 4-5 اعتداءات على المزارعين الفلسطينيين في المنطقة، تتنوع بين اعتداءات على الرعاة أو اقتحام سكنات المواطنين في ساعات متأخرة من الليل"، كما يؤكد بشارات.
ويشير إلى أن الاعتداءات تصاعدت بعد صدور العقوبات البريطانية على "شارفيت"، حيث نفذ 138 اعتداء منذ السابع من أكتوبر؛ منها 46 اعتداء بعد فرض العقوبات عليه، خاصة بعدما لاقى الدعم من أعضاء بالكنيست الإسرائيلية ورئيس مجلس المستوطنات؛ الذين قدموا له الدعم وجاءوا لزيارته في البؤرة بعد فرض العقوبات، وعبروا علنا بأنها غير مهمة ولن تؤثر على مخططاتهم، وطالبوه بالاستمرار باعتداءاته.
وفي منطقة الأغوار الشمالية، أقام المستعمرون من العصابات الاستعمارية والتي تضم قرابة 300 مستعمرا تتراوح أعمارهم بين 15-21 عاما، ستة بؤر جديدة، ويمارسون أبشع أنواع الانتهاكات والاعتداءات ضد السكان الفلسطينيين، كما أغلق المستعمرون المنطقة أمام الفلسطينيين والتي تقدر مساحتها بـ85 الف دونم، وسيطروا على معظم الينابيع وأعادوا ترميمها وتسييجها، وحولوها إلى متنزهات سياحية يمنع دخول الفلسطينيين إليها، وفق ما يوضح بشارات.
ويصف مقال للصحفي المستقل زاك ويتوس في صحيفة "غارديان" البريطانية فرض عقوبات أميركية وبريطانية وفرنسية على أكثر من 30 مستعمرا إسرائيليا بسبب ارتكابهم أعمال عنف وتحريض ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بأنه خطوة تاريخية.
غير أن الكاتب يرى أن هذه العقوبات على قلة من المستعمرين لن تحل المشكلة الأساسية إذ إنهم "ليسوا مجرد حفنة من تفاحات متعفنة" بل جزء من سياسة ممنهجة طويلة الأمد للحكومة الإسرائيلية؛ تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم لإفساح المجال لتوسيع رقعة المستعمرات، ووصفها بأنها سياسة رديئة لا تنتج سوى أناس فاسدين.
ويرى مدير التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، بأن الموقف الأميركي والبريطاني والفرنسي والإسباني بفرض عقوبات على المستعمرين مهم وغير مسبوق، ويمكن المراكمة عليه والاستثمار فيه بالمستقبل، مؤكدا أن هذه المرة الأولى التي يتخذ فيها مثل تلك القرارات.
وأوضح أن العقوبات التي شملت 47 مستعمرا متورطين باعتداءات وانتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين، وأن ذلك عدد قليل من المستعمرين لكنه قرار يمكن الاستثمار فيه، إلا أن التقديرات لدى الهيئة بأن أكثر من 20 ألف مستعمر ارتكبوا جرائم ضد التجمعات الفلسطينية.
وأكد داوود أن اعتداءات المستعمرين وخاصة الذين فرضت عليهم عقوبات تصاعدت بعد فرضها، في تحد واضح للعالم في ظل حكومة يمينية متطرفة وحامية للمشاريع الاستعمارية والمستعمرين، وكذلك للتأكيد للعالم بأن العقوبات لن تشكل رادع لعنجهية المستعمرين.
وأوضح أن هيئة الجدار تقدم تقارير لمنظمات حقوقية حول المستعمرين المتورطين بهجمات ضد الفلسطينيين، وترفع تلك المنظمات قضايا أمام محاكم دولية والتي أثمرت عن فرض عقوبات بريطانية وفرنسية وأمريكية.
ــــــــ
/ د.ذ