الأغوار 15-5-2024 وفا- الحارث الحصني
في خربة "الدير" في الأغوار الشمالية وما حولها من مناطق الشريط الحدودي الشرقي للضفة الغربية، تنتشر ينابيع المياه التي أصبحت في السنوات الأخيرة واحدة من أهم مغذيات المزارعين بالمياه لري محاصيلهم المروية.
وفي المنطقة الغورية ذاتها لم تهدأ منذ ايام أعمال المستعمرين التخريبية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم، ويعيش مالكو المزارع المروية كابوسا من انهيار كل مشاريعهم الحقلية.
فالمنطقة المترامية على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية، معروفة بخصوبة أراضيها للزراعة المروية، وهي ذاتها التي تكثر فيها عيون المياه والينابيع التي نقلت المنطقة من الزراعة البعلية إلى الزراعة المروية.
والينابيع التي أصبحت معلما من معالم المنطقة الغورية، واحدة من أهم مصادر المياه الجوفية في الأغوار، وهي محط أنظار المستعمرين ضمن خططهم للسيطرة والتوسع والاستيلاء على الأرض.
ويحاول الفلسطينيون بطرق شتى الاستفادة من تلك الينابيع في زراعتهم المروية، لكن يظل شبح المستعمرين يلاحقهم في تطوير مشاريعهم الزراعية في الأغوار الشمالية، ويتعرضون لشتى أشكال القمع والاعتداء من مستعمرين بحماية جيش الاحتلال.
وفي السنتين الماضيتين، استولى المستعمرون على قرابة عشرة ينابيع وحولوها لأماكن استجمام وسياحة.
وتظهر هذه الأيام حركة دؤوبة للمستعمرين في مناطق مختلفة من الأغوار؛ بهدف الضغط المتواصل على الفلسطينيين لترك أراضيهم، وفعليا هناك تجمعات كاملة تركت مساكنها وارتحلت إلى أماكن أكثر أمنا.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "هناك دعوات لأيام سياحية بين المستعمرين وجهتها ينابيع منطقة الدير والمناطق القريبة منها.
" يطلقون على تلك الأيام "ينابيع الدولة" (..)، تصعيد واضح".
وتولد تصور لدى الفلسطينيين بشكل كبير بأن سياسة واضحة تدعمها حكومة الاحتلال لما يجري، فتكرار الأمر الذي يقوم به المستعمرون بشكل عام ضدهم؛ يهدف في نهاية الأمر إلى إجبارهم على ترك أراضيهم ومزارعهم.
وانتهاكات المستعمرين في الأغوار الشمالية، لم تكن لولا الغطاء الكامل من الحكومة الإسرائيلية وجيشها الذي يهيئ لهم الطريق.
وأمكن ملاحظة مقاطع مصورة لجنود الاحتلال وهم برفقة المستعمرين في المنطقة.
لكن ماذا يفعل جنود الاحتلال مع المستعمرين؟!
يقول دراغمة: "يأتي المستعمرون فيستولوا على ينابيع المياه بحماية الاحتلال، ثم يضعوا مقاعد التنزه".
وفعليا، هناك ينابيع صارت لتنزه المستعمرين واستجمامهم في المنطقة الغائرة.
وبهذا الشكل، تصبح شهية المستعمرين أكثر انفتاحا للتواجد في المنطقة التي تعتبر واحدة من المناطق التي تسجل فيها انتهاكات للمستعمرين على مدار الوقت.
وتشهد ينابيع المناطق الحدودية بشكل شبه يومي حركة نشطة لعشرات المستعمرين، في وقت يمنع الاحتلال الفلسطينيين من استخدام تلك الينابيع.
ويبدأ الاستيلاء على الينابيع، بإعطاب مضخات المياه الموجودة عليها لضخ المياه إلى المحاصيل المروية.
يقول دراغمة: "أعطبوا خلال شهر واحد 13 مضخة مياه، وأتلفوا خطوط مياه للفلسطينيين".
هذه الأيام يقف الموسم الزراعي على مشارف النهاية، وعلى أبعد تقدير يحتاج المزارعون لشهر حتى يقطفوا آخر ثمارهم، ولنجاح الموسم يحتاج المزارعون إلى كميات وافرة من المياه.
لكن هناك محاصيل تظل طيلة أيام السنة.
في أرقام تقديرية سردها دراغمة، وهو ناشط حقوقي يتابع انتهاكات المستعمرين والاحتلال يوميا في الأغوار، قال: "هناك قرابة 3000 دونم زراعية في المنطقة يزرعها قرابة 130 مزارع، منها 500 دونم شجرية تعتمد بشكل كبير على مياه تلك الينابيع".
ويجمع مزارعون بلسان مستاء: "هذه حرب غير معلنة(..)، يجب عليك أن تحارب شيئا خفيا".
ولطبيعة المنطقة، فإنه ليس غريبا أن تسجل مثل هذه الاعتداءات التي يقوم بها مستعمرون من بؤر استيطانية منتشرة في جبال الأغوار، ضد ممتلكات الفلسطينيين.
وما يزيد الأمر خوفا، أن المستعمرين وضعوا لوحات تعريفية عند بعض الينابيع كتب عليها باللغة العبرية (مثالا): "أهلا وسهلا عند نبع جيل وغيرها".
وعلى مقربة من الدير، أصبحت عين الساكوت المشهورة بالأغوار، واحدة من المزارات السياحية للمستعمرين، بعد الاستيلاء عليها ووضع بوابة حديدية تفضي إليها، ومعدات السياحة كمقاعد متأرجحة ومظلات وغيرها.
في الصيف اللاهب في الأغوار تزداد الحاجة للمياه على جميع مستويات الحياة اليومية للفلسطينيين، ويرى مزارعون أن استيلاء المستعمرون على هذه الينابيع سيزيد من حجم الكارثة التي بانتظارهم.
وفي الصيف ذاته ومع أخذ المنطقة طابعا منعشا عند أواخر النهار، تنشط حركة تنزه المستعمرين عند مصادر المياه بعد الاستيلاء عليها، لقضاء أوقاتهم في الاستجمام.
___
/ د.ذ