دمشق 28-9-2023 وفا- في أرض شبه قاحلة، لولا عدد قليل من الأشجار قرب العاصمة السورية دمشق، يعاين إبراهيم ضميرية خلايا النحل بحثاً عن العسل الذي انحسر إنتاجه، على وقع الصراع الدامي وتبعات التغير المناخي.
ويقول ضميرية (62 عاماً) من خلف قناع وبينما يرتدي زياً أبيض اللون يقيه لسعات النحل، "لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل".
قبل اندلاع الصراع في العام 2011، كان ضميرية يمتلك أكثر من مئة خلية، لم يبق منها اليوم إلا أربعين، تعود عليه بإنتاج ضئيل.
في بلدته رنكوس التي نالت نصيبها من الدمار جراء الصراع، يقول ضميرية: إذا استمرت المشاكل التي نواجهها بسبب تغيّر المناخ وغلاء الأسعار، من الممكن أن أتخلى عن المهنة بشكل نهائي.
ويتنقّل ضميرية بين صناديق النحل المطلية باللونين الأخضر والأبيض التي تلقّاها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن أحد مشاريعها التنموية في سوريا.
وتشتهر بلدة رنكوس بإنتاج العسل، لكن موجات الحرّ الشديد وقبلها البرد القارس خلال فصل الربيع، قضت على مساحات من النباتات المزهرة التي يتغذّى النحل من رحيقها.
وانخفض عدد خلايا النحل في سوريا من 635 ألفاً قبل الصراع إلى 150 ألفاً عام 2016 حين كان الصراع في أوجه، قبل أن تهدأ الأوضاع تدريجياً، حسب رئيس اتحاد النحّالين العرب إياد دعبول.
400 ألف خلية
ووفق تقرير للأمم المتحدة عام 2019، ألحق الصراع في سوريا أضراراً بإنتاج العسل الذي كان يعدّ صناعة تقليدية في البلاد، مع انخفاض عدد الخلايا بنسبة 86 في المئة.
ويوجد في سوريا اليوم 400 ألف خلية نحل بلغ إنتاجها خلال العام الحالي نحو ألف و500 طن من العسل حتى الآن، مقارنة مع ثلاثة آلاف طن في العام 2010. وتراجع أيضاً عدد مربّي النحل من 32 ألفاً إلى 18 ألفاً.
ويرى دعبول أن "تطرّف المناخ أثّر كثيراً على النحل، وخصوصاً في فصل الربيع الذي يُشكّل أساس دورة حياته"، لا سيما مع انخفاض درجات الحرارة في موسم الحمضيات الذي يشكّل مرعى أساسياً للنحل.
كما أدى ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة تزداد عاماً بعد عام، إلى اندلاع عشرات الحرائق في المناطق الحرجية. وأودى ذلك، وفق دعبول، بأكثر من ألف خلية نحل في جبال الساحل، وحرمان النحل من مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية.
وتنعكس مظاهر التغيّر المناخي من تصحّر وتراجع الأمطار وجفاف الأنهار وتطرّف درجات الحرارة بعكس الفصول، لا على النحل فحسب، بل أيضاً على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية.
وأدى الصراع وتداعيات التغير المناخي، وفق المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقّوت، إلى خفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو خمسين في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة.
"يهاجر أو يموت"
وسوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي. لكنها أيضاً، بحسب زقوت، "من أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهة التغير المناخي".
وعلى غرار منظمات دولية أخرى تخصّص برامج لدعم تربية النحل في سوريا، وزّعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتعاون مع منظمات محلية، مئات خلايا النحل ومستلزمات تربيته على مربين ومزارعين في مدن سورية عدة.
وتقول زقوت إن اللجنة تحاول مساعدة الناس "على التكيّف مع تغيرات المناخ لعدم قدرتهم على ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى جانب تبعات الحرب والعقوبات".
في أحد بساتين رنكوس، يقطف المزارع ومربي النحل زياد رنكوسي، ثمار تفاح تالفة من شجرة يبست أغصانها جراء قلة المياه.
ويتحسّر على أرض كانت تضمّ أكثر من ألف شجرة، لم يبق منها اليوم سوى 400 جراء الإهمال وتراجع الأمطار من ناحية، وتلف جزء كبير منها خلال فترة المعارك من ناحية أخرى.
وغالباً ما يقطع السكان الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يحلّ قارساً في تلك المنطقة، في ظل شحّ محروقات تعيشه سوريا في السنوات الأخيرة، وانقطاع طويل في التغذية بالكهرباء.
ويقول رنكوسي "منذ نحو خمس سنوات، يأتينا قحط وتصحّر لم نعتد عليهما، وهذا العام أتتنا موجة برد قارس (خلال الربيع) وذهب الثمر (..) هذه مظاهر غير مألوفة لسكان رنكوس".
ويضيف "عندما تختفي الأشجار والأزهار، لا يجد النحل ما يرعاه، فيهجر المنطقة أو يموت".