أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 30/11/2020 04:31 م

سجين بيته

رام الله 30-11-2020 وفا- معن الريماوي

انقلبت حياة الطفل المقدسي عمر عطية (14 عاماً) رأسًا على عقب، وباتت الأيام تمر ثقيلة وصعبة عليه، وأضحى منزله سجنًا يضيق عليه، فغابت الحيوية والنشاط من البيت، ولم يعد ذلك الفتى الهادئ، كيف لا وقد أمضى نحو عام في الحبس المنزلي الذي فرضته عليه سلطات الاحتلال منذ صيف عام 2019.

قبل أيام أصبح الطفل عمر عطية حراً طليقاً بعدما انتهى حبسه المنزلي.

ويتمثل الحبس المنزلي، وفقا لمركز المعلومات الوطني، بفرض أحكام تقضي بمكوث الشخص فترات محددة داخل منزله أو في منزل أحد الأصدقاء أو الاقرباء ... إلخ، بشكل قسري، وقد يمدد الاحتلال الحبس المنزلي لفترات جديدة، وكل من يخالف يتعرض لعقوبات إضافية، ما جعل من بيوت المقدسيين سجونًا لهم، وليمثل الحبس المنزلي عقوبة أكبر من السجن الفعلي، فهو يقيد المحبوس وكفلاءه، ويخلق حالة من التوتر الدائم داخل المنزل وخاصة عندما يكون المستهدف من الحبس المنزلي طفلًا، لما يحدثه من آثار وخيمة عليه من ناحية نفسية واجتماعية.

وللحبس المنزلي نوعان: الأول يُلزم الشخص بالبقاء في بيته، وعدم الخروج منه مطلقًا طوال الفترة المحددة، والثاني يتمثل بفرض الحبس على الشخص في بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء بعيدًا عن بيت العائلة ومنطقة سكناه ما يشتت العائلة ويزيد من حالة القلق لديها.

عاش عمر فترة صعبة جدًا داخل منزله، وكان يشعر أن جدرانه تضيق عليه رغم اتساع المنزل، كونه لا يستطيع الخروج أو الذهاب للعب مع أصدقائه، أو التوجه لمدرسته.

"كنت أفكر للحظات أن أهرب من البيت وأذهب للمدرسة، أو للتنزه والسير في شوارع القدس، أو للعب الكرة مع أصدقائي، ولكن كنت أعلم أن ذلك سيسبب مشاكل لنا جميعًا.. لقد مرت الأيام ثقيلة علي وعلى عائلتي التي عانت كثيرًا معي وهي ترعاني وتهتم بي، وتراقبني كي لا أصاب بأي مكروه"، يقول عمر.

ويتابع" في الليل لم أكن استطيع النوم وكنت أرى الكوابيس كل يوم، كنت أجلس لساعات بجانب نافذة الغرفة المطلة على الشارع، لأنظر للمارة وأنتظر الأطفال الذين يلعبون الكرة وقت الظهيرة".

مؤخرًا احتفل العالم بيوم الطفل العالمي، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1954، لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم.

محمد عطية والد عمر يقول "أصبح عمر طوال فترة الحبس المنزلي عدوانيًا، يغضب بسرعة، ولا يتحمل أي أحد، وكثيرًا ما كان يتشاجر مع والدته واخوته، وأحيانا نراه يعبث بمحتويات المنزل، وحتى بعد انتهاء هذه الفترة لا يزال كذلك، وكل ذلك بسبب سياسة الاحتلال التي تمنع طفلا من الخروج للعب واللهو مع أصدقائه".

ويضيف "في كثير من الأوقات، كنت أجده يحفر جدران غرفته بآلة حادة، أو في الأبواب من شدة غضبه.. كنا أغلب وقتنا نراقبه من بعيد خشية أن يصيبه أي مكروه، أو أن يؤذي نفسه، لأنه دخل في حالة اكتئاب شديدة، خاصة أنه منع أيضًا من استخدام كل وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت".

كما انه وفق ما يقول والده لم يعد يأكل جيدًا، وغابت الابتسامة عن محياه، فتراه شاردًا، أو حزينًا، وأخذت صحته تتراجع شيئًا فشيئًا.

"دائما ونحن جالسون نراه يبكي ويصرخ فجأة، وفي الليل يأتي ليخبرنا بأنه خائف جدًا ولا يستطيع النوم، وينام إلى جانبنا أننا ووالدته"، يقول محمد.

ليالي كثيرة مضت دون أن ينام محمد وزوجته وهم يراقبون ابنهم عمر، ويسهرون على راحته.

ويتابع الأب "نحاول أن نهدئ من روعه، ونخبره أنها فترة وستمضي، لكن من الصعب أن تقنع طفلًا أنه مسجون في بيته".

رفض عمر ارتداء الحلقة الالكترونية التي تتبع تحركاته، ما جعل قوات الاحتلال تقتحم منزل العائلة بين حين وآخر للتأكد من وجوده في المنزل والتزامه بالحبس المنزلي.

اتبعت العائلة مجموعة من الخطوات للتعامل مع ابنها ولملئ وقت فراغه، "نحن في المنزل نحاول التخفيف عنه ومحاولة ملء وقت يومه، عبر تقسيم الوقت، فجزء للقراءة، وجزء للعب واللهو، وجزء للحديث والمزاح".

ووفق نادي الأسير، فإن عشرات الشبان فرض عليهم الحبس المنزلي خلال السنوات القليلة الماضية.

في هذا السياق، قال الطبيب النفسي آدم عفانة إن حجز حرية الطفل تجعله عرضة للقلق والتوتر، والاضطرابات النفسية الكثيرة، والتي ترافقها قلة النوم والأكل والبكاء، وهذا كله ينعكس على نفسية الطفل.

وقدم عفانة نصائح للأهل بأن يستغلوا فرصة الحبس المنزلي لضبط أفكار الطفل وزرع أفكار جديدة عبر القراءة، إضافة لضرورة مراقبة الطفل كي لا يؤذي نفسه، مع ضرورة أن يزوره الأصدقاء والأقارب إن سمح لهم لتقليل نسبة الاكتئاب لديه.

ووفق خبراء قانونيين، فإن الحبس المنزلي يعد مخالفًا لقواعد وأحكام القانون الدولي الانساني، ولكل المواثيق والقوانين الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

ــــ

/ي.ط

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا