رام الله 5-3-2022 وفا- رامي سمارة
أمطر "المعسكر الغربي" عبر رؤسائه ووزرائه مواقع الأخبار ووسائل التواصل بمواقف تحمل إدانات لروسيا، وتحمّلها مسؤولية إقدامها على مغامرة عسكرية تدفع العالم بأسره نحو المجهول.
وبينما راحت العديد من الدول تجند عدتها وعتادها وترسله شرقاً نحو أوكرانيا لدعم مهمات مختلفة، وأقلها "الدفاع عن النفس"، تقرر فرضُ عقوبات أوروبية على اقتصاد روسيا والعديد من مسؤوليها ومؤسساتها الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية.
وسرعان ما وزعت دعوات أميركية- أوروبية لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تخصص لبحث الأزمة، التي يواجهها من اختاروا أن يكونوا "مستقلين" كما جاء في بيان لمندوب ألبانيا في المجلس، فيما تداعى قادة حلف "الناتو" لبحث التطورات المحتملة.
وراحت الخارجيات الأميركية والأوروبية تحذر من تصعيد عالمي، وتؤكد عزمها مضاعفة مساعداتها الأمنية والدبلوماسية والإنسانية لأوكرانيا، وتتعهد بمدّ شرقي أوروبا بالمزيد من القوات والجيوش للتأكد من توفير "الحماية" للأوكرانيين.
وصدر تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن، اتهم فيه نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه اختار ومع سبق الإصرار، حربا ستؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح وإلى معاناة بشرية، وتوعد بأن واشنطن وحلفاءها سيردون على موسكو بطريقة موحدة وحاسمة.
هذه الأحداث لا تمثل تلخيصا لمجمل المواقف التي اتخذت عالميا فيما يتعلق بالأزمة الروسية– الأوكرانية، بل هي ذكر سريع لتطورات دراماتيكية وقعت خلال الساعات السبع الأولى من فجر يوم الخميس 24 شباط/ فبراير، أي قبل سماع دوي أول انفجار هز شمالي العاصمة الأوكرانية كييف، إيذاناً ببدء العمليات العسكرية الروسية.
وبتدحرج كرة مواقف المعسكر الغربي وخطواته مع مضي العمليات يوماً بعد يوم، وصولاً إلى عقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وإعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن الوضع في أوكرانيا؛ تملك الفلسطينيون تساؤلات بشأن ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، في التعامل مع معاناتهم، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائمه بحقهم.
وتشخيصاً لاعوجاج الميزان الدولي، كتب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، "عندما يصبح اللون والدين والعرق هوية، تضيع القيم والأخلاق والإنسانية، وعندما تُكال الشرعية الدولية بمكيالين تضيع العدالة ويسحق الحق وتستبد القوة".
وأضاف الشيخ في تغريدة، أن عشرات القرارات من الشرعية الدولية ضاعت وسُحقت أمام جبروت القوة وغياب التطبيق لها، وما زال شعب فلسطين ضحية الاحتلال وغياب العدالة.
وفي السياق، ذكّرت حركة "فتح"، على لسان عضو مجلسها الثوري والمتحدث باسمها أسامة القواسمي، العالم بشعب فلسطين المحتل والمضطهد من قبل إسرائيل، التي تمارس كل أشكال التنكيل والقتل والتعذيب والتشريد وهدم البيوت، وتفرض نظام فصل عنصري بشكل منافٍ لأبسط حقوق الإنسان".
وتساءل: "هل الدم الفلسطيني بالنسبة للبعض دم من الدرجة الثانية؟ وهل الإنسانية تصنف وفقا للعرق واللون؟ مطالبا العالم بصرخة حقيقية في وجه المحتل الإسرائيلي بحتمية إنهاء احتلاله لدولة فلسطين العضو في الأمم المتحدة".
وانتقد مساعد وزير الخارجية والمغتربين للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة السفير عمر عوض الله، قيام المنظمات الدولية والأممية باتخاذ مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمات آنية، بينما تمتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه التي امتدت لأكثر من سبعة عقود، ما يعكس ازدواجية في المعاملة وغياب للعدالة.
ولفت إلى أن الدول الأوروبية وغيرها أظهرت قدرتها على اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين مؤخرا، فالقضية ليست بغياب الأدوات بقدر ما هي بغياب الإرادة، حيث إن قواعد القانون الدولي واضحة في حال وجود جريمة دولية.
وأوضح عوض الله أن تخاذل المجتمع الدولي بتطبيق قراراته في فلسطين يشجع إسرائيل على مزيد من الجرائم، فمن لا يطبق القانون الدولي في فلسطين لا يحق له أن يتحدث عن القانون الدولي في مكان آخر بالعالم وسيكون منافقا في حديثه، ولن يؤخذ على محمل الجد.
وقال لـ"وفا"، إن الانتقائية في التعامل مع معايير القانون الدولي ستؤثر على مكانة القانون ومؤسساته في العالم، فمن لا يقف مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لجرائم يومية منذ 75 عاما من احتلال استيطاني استعماري، يمارس أبشع صور الفصل العنصري.
وبين مساعد وزير الخارجية والمغتربين، أن الكيل بمكيالين بالموضوع الفلسطيني يؤثر على النظام الدولي عموما، خاصة في ظل تغول نظام القطب الواحد على المنظومة الدولية، وفرض إملاءات قائمة على الترهيب والبلطجة، مشيرا إلى أن هذا كان ظاهرا في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بشأن القضية الفلسطينية، عبر ابتزاز دول أعضاء في الأمم المتحدة للاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال.
وتساءل: "هل المجتمع الدولي يريد من يبتزه ليقوم بواجباته كما كان يفعل ترمب؟ هل هو مجتمع دولي عنصري انتقائي يفرق بين الضحايا في حال كانت الضحية أوروبية أو عربية؟".
وطالب بفرض عقوبات على كل دولة تتعامل مع منتجات المستوطنات وعلى الدول التي تقوم بتصدير السلاح لإسرائيل، داعيا لوصم المستوطنين بالإرهاب، ومنع دخولهم للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فالأدوات موجودة كما برز مؤخراً، ولكن يبقى التنفيذ.
بدوره، أكد المنسق العام للجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل محمود نواجعة في حديث مع "وفا"، أن الأمر لا يقتصر على ازدواجية المعايير، إذ يصل إلى حد التواطؤ من المنظومة العالمية والغرب بشكل يدعم نظام الاستعمار والابرتهايد بسبب علاقات المصالح التي تربطهم بإسرائيل.
وقال: "رغم توثيق مؤسسات حقوقية وازنة، كمنظمتي العفو الدولية و"هيومان رايتس ووتش"، لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين، إلا أن العالم يرفض حتى هذه اللحظة فرض عقوبات على إسرائيل، وهناك رفض للتحقيق من قبل الأمم المتحدة في تلك الجرائم رغم الاختراقات التي يحققها الفلسطينيون في هذا الملف".
واعتبر أن الحماية التي تتمتع بها إسرائيل وإفلاتها من العقاب هو بسبب التواطؤ الدولي مع نظامها، فمجرد التحقيق في جرائمها لم يحدث، وهناك رفض واسع من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لأي إجراء قد ينتهي بإدانتها، وحتى بما يتعلق بمنتجات المستوطنات، بكل الوضوح الذي تحمله من ناحية مخالفة معايير القانون الدولي، إلا أن الاتحاد الأوروبي يرفض منع دخولها إلى أراضيه أو حتى وسمها.
وبالنسبة لنواجعة، فإن الحقائق واضحة، والقانون الدولي تم انتهاكه أكثر من مرة عبر الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ومن ضمنها الحصار والاستعمار الاستيطاني ونظام التمييز العنصري، دون أن يكون هناك تحرك على المستوى الرسمي من المجتمع الدولي، وهذا على أقل تقدير يمكن أن يوصف بأنه تواطؤ مع إسرائيل في ارتكابها لجرائم ضد الإنسانية.
وشدد على أن العالم لا يفهم سوى لغة المصالح وليس الأخلاق، إذ هناك شركات كبيرة جداً تخشى من حركة المقاطعة، ليس لأن الاخيرة لديها نداء أخلاقي فقط، بل لأن عدم الانصياع لهذا النداء سيكبد تلك الشركات خسائر بمليارات الدولارات حول العالم.
وأضاف: "مصلحة الشركات تتمثل في عدم التورط مع نظام إسرائيل العنصري. العالم يتكلم اليوم بلغة المصالح وليس لغة الأخلاق، حتى القانون الدولي الذي وضع من قبل دول استعمارية حتى تتمكن من تحقيقه يجب أن تكون لديك كميات ضغط ضد الكيانات والدول والبرلمانات، وإما أن تربطك بهم مصالح سياسية أو تجارية".
وبيّن المنسق العام للجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، أن ما يميز حركة المقاطعة هي تمكنها من ممارسة الضغط عبر الشعوب التي تتضامن مع الفلسطينيين وتؤمن بمبادئ حرية الإنسان ومبادئ الحرية والعدالة للجميع.
وبحسب عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت ياسر العموري، فإن "المصالح" تطغى على عاملي العرق والدين في التعامل مع ملف النزاع الروسي الأوكراني، فهي نظرية تقود العالم حاليا، وهي الأساس الذي تنطلق منه العلاقات الدولية.
ونوه إلى أن الخروج من براثن سياسة الكيل بمكيالين يتطلب إدراك أن العلاقات الدولية تقوم على أساس المصالح، ما يستدعي استخدام هذه النظرية والإضرار بمصالح الغير سواء الاقتصادية أو الإعلامية واستغلال الرأي العام العالمي.
وتابع "نحن جربنا هذه المسألة حين خاطبنا العالم بلغة المصالح في حرب البترول عام 1956، حيث كان التلويح فقط بوقف تصدير البترول العربي إلى العالم إبان العدوان الثلاثي على مصر، كفيلا بتهديد المصالح الاقتصادية للدول الغربية، التي لجأت إلى تغيير مواقفها بشكل كلي".
ويؤمن عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، بأن ازدواجية تعامل المؤسسات الدولية والحكومات مع القضايا الإنسانية والحقوقية لم تغب، وتتبع تصريحات السياسيين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ومواقفهم المتعلقة بالمسألة الروسية الأوكرانية، يشير إلى أنها عادت لتطفو على السطح من جديد.
ويعتقد العموري أن قضية تعامل الأمم المتحدة مع السلطة التقديرية الممنوحة لمجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين بازدواجية معايير؛ ليست جديدة، ففي كثير من الأوقات نرى أن دولاً تُساءل استنادا للنص الحرفي لما جاء في ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات الدولية، بينما تبدو دول أخرى وكأنها تتمتع بالحصانة والحماية، رغم أنها تنتهك اتفاقيات حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، وأكبر مثال على ذلك إسرائيل.
وقال العموري في حديث لـ"وفا": "حين تستخدم إسرائيل القوة وتستهدف المدنيين العزل في كل حالات العدوان المقترفة ضد الشعب الفلسطيني، نسمع الأمم المتحدة تتحدث في حالتها القصوى عن الإفراط في استخدام القوة، ولا نسمعها تتحدث عن انتهاكات جسيمة ترقى إلى مصاف جرائم الحرب، وبينما راح مسؤولون وساسة يطالبون المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بالبدء بفتح تحقيقات لاقتراف روسيا جرائم حرب في أوكرانيا، بينما لم تصدر مطالبات كهذه تخص إسرائيل التي اقترفت جرائم حرب بموجب لجان تقصي حقائق دولية".
وتطرق العموري كذلك إلى مثال آخر، يتعلق بتطبيق اتفاقية جنيف لعام 1951 بخصوص التهجير واللاجئين، حيث واجه لاجئون سوريون مقترحات بالترحيل من دول أوروبية دون معاملتهم استناداً للبروتوكولات الأممية الخاصة بهذا الشأن، فيما تفتح ذات الدول أذرعها لاستقبال لاجئين أوكرانيين -دون انتقاص حقهم بذلك- وترحب بهم استنادا إلى معايير عنصرية بعيدة عما نص عليه القانون الدولي.
بدوره، اعتبر مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، أن المجتمع الدولي ومن خلال إدارته للملف الروسي الأوكراني، برهن مجددا على أن ما يجري في فلسطين وبعض دول العالم لا يحتل موقعا متقدما على أجندته، وما يهمهم فقط في المنطقة هو "إسرائيل".
وقال جبارين في حديث لـ"وفا": "المسألة بسيطة. من ينظر لما يجري بمنظور تحليلي يدرك أن التاريخ الاستعماري والتمييز والعنصرية ما زالت موجودة في الغرب، رغم تشدقه بقيم الإنسانية والحقوق والقوانين والبروتوكولات والمعاهدات".
ووفق جبارين، فإن هناك حكومات تتبنى نوعين من القرارات، أحدها يفقد معناه وجوهره، وبالتالي لا يطبق ولا يحترم، وهذا يتعلق بفلسطين، وفي موقع آخر تقاتل ذات الحكومات برفع لواء القانون وحقوق الإنسان والمبادئ الدولية والكرامة الإنسانية، وتمضي في تطبيق قراراتها.
وتساءل: "هل هناك تغيّر نوعي وجذري بحيث إن العالم والولايات المتحدة وأوروبا سيقفون في وجه أي احتلال قائم، وماذا بالنسبة لإسرائيل؟ وهل القانون الدولي يحترم؟ وهل ينضوي على مبادئ عامة وقواعد ملزمة وواجبة التطبيق في كل المواقع والأحيان والأحداث؟ أم أنها تطبق على البعض ويستثنى منها البعض الآخر؟ وماذا بشأن الاستيطان الذي يعرّف على أنه جريمة حرب ولا يحمل أي وجه شك ولا نقاش حول عدم قانونيته؟
ولفت شعوان جبارين إلى أن الفلسطينيين وعلى مدار عدة سنوات نادوا بموضوع مقاطعة الاحتلال، أما في حالة أوكرانيا فتم تبني قرارات بالمقاطعة على مستوى دول في عدة دقائق، ويضاف إلى ذلك عدم تصويت دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن لصالح القرار الذي أنشأ سجل الشركات الداعمة للاستيطان في مجلس حقوق الإنسان.
كما تطرق إلى عمل عدة دول على فتح تحقيق على مستوى المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بأوكرانيا دون الحاجة لموقف مؤازر من مجلس الأمن، بينها دول كانت ضد فتح التحقيق في الحالة والقضية الفلسطينية، بداعي أن ليس للمحكمة أي اختصاص في هذه البقعة الجغرافية، وقدموا أوراقا تدعم تلك المزاعم بعكس التزاماتهم بموجب ميثاق المحكمة.
وقال "39 دولة تضامنت فيما بينها واتفقت على إحالة قضية أوكرانيا للجنائية الدولية، وهذا يعكس أن الأمور قد تتم استنادا إلى معايير أخرى كلون البشرة والعرق، وهذه مسائل أيضا تحمل بعدا عنصريا، ولا تتعلق فقط بانتهاكات أو جرائم. نحن لسنا ضد استخدام الجنائية الدولية في مواجهة أي جرائم دولية ترتكب، ولكن لماذا عندما يتعلق الأمر بفلسطين يصمت القانون الدولي ويخلو قاموس العالم ولغته من العمل في هذه الدول وتلك المؤسسات؟".
ــــــ
م.ج