الأغوار 7-3-2022 وفا- إسراء غوراني
خلال شهري شباط وآذار من كل عام، كان مواطنو الأغوار يستبشرون خيرا بموسم قطف العكوب، الذي ينبت بكثرة على سفوح جبالهم وفي محيط سهولهم الزراعية، فكانوا يجوبون السفوح لقطفه وبيعه لتحقيق ربح مادي يساندهم في تكاليف حياتهم اليومية.
هذا الموسم الذي كان فيما مضى محفوفا بالبهجة أصبح اليوم محفوفا بالمخاطر، بسبب ممارسات الاحتلال الذي يلاحق قاطفي العكوب ويحتجزهم ويفرض عليهم غرامات مالية بذريعة "حماية الطبيعة"، فلم تعد سفوح الأغوار تعج بقاطفي العكوب كما كان الحال قبل أعوام.
يقول المواطن محمد قدري من منطقة وادي المالح في الأغوار الشمالية إن التضييق على قاطفي العكوب يعتبر جزءا بسيطا من الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال ضد مواطني الأغوار، وذلك للتضييق عليهم ومنعهم من الوصول لأكبر مساحة ممكنة من الأراضي لتسهيل الاستيلاء عليها.
ويؤكد في حديثه لـ"وفا" أنه وعائلته تعرضوا للعديد من عمليات الملاحقة من الاحتلال خلال السنوات الأخيرة خلال قطفهم العكوب، حيث فرضت ما تسمى "سلطة الطبيعة الإسرائيلية" عليه وعلى والده وأشقائه حوالي 10 غرامات مالية خلال السنوات الأخيرة، كما ضاعف الاحتلال مؤخرا الغرامات المالية بشكل كبير على قاطفي العكوب حتى وصلت قيمة الغرامة الواحدة ثلاثة آلاف شيقل، ما أدى لعزوف غالبية المواطنين عن قطف العكوب بالرغم من أن الموسم كان في السابق يحقق لهم ربحا ماديا جيدا.
وتتزامن ملاحقة سلطات الاحتلال لقاطفي العكوب عادة مع اعتداءات استيطانية عليهم، وهو ما يجعل مهمتهم محفوفة بمخاطر كبيرة.
ويؤكد قدري أن ملاحقة الاحتلال والمستوطنين لقاطفي العكوب تصاعدت بشكل كبير هذا العام، فمنذ بدء الموسم تجوب جماعات من المستوطنين السفوح والجبال بحثا عن قاطفي العكوب وينفذون اعتداءات عليهم، ولاحقا تتدخل ما تسمى "سلطة الطبيعة" وتستولي على العكوب الذي بحوزة المواطنين وتفرض غرامات مالية عليهم، كما تستولي على أية مركبات أو دواب بحوزتهم.
ويضيف: "الاحتلال يتخذ موضوع حماية الطبيعة ذريعة للتضييق علينا وطردنا وتحديد وصولنا إلى الأراضي، وبينما هو يفرض علينا غرامات مالية لا يتخذ أية إجراءات ضد المستوطنين الذين يطلقون مواشيهم لتدمير محاصيلنا الزراعية، كما أن جيش الاحتلال ينفذ تدريبات عسكرية في غالبية هذه الأراضي ويدمرها".
ويستطرد قدري: "لا أعلم كيف يعتبر الاحتلال قطف العكوب مدمرا للبيئة، علما أننا عند قطفه نترك جذور النبتة في الأرض ولا نقتلعها فتبقى قادرة على النمو والعطاء، في المقابل تدريبات الاحتلال تدمر مساحات زراعية وبرية بشكل كامل وتقضي على الغطاء النباتي فيها بشكل كامل".
في هذا السياق، يوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة أن الاحتلال يتعامل بازدواجية معايير فيما يتعلق بمواضيع حماية الطبيعة، علما أنه يتخذها فقط ذريعة للتضييق على الفلسطينيين وتحديد وصولهم للأراضي بهدف الاستيلاء على المزيد منها.
وأضاف أن ما تسمى "سلطة الطبيعة الإسرائيلية" تلاحق قاطفي العكوب كل سنة، وتقوم باعتقالهم وفرض غرامات مالية باهظة عليهم بذريعة حماية الطبيعة، فخلال العام الماضي وحده بلغ مجموع الغرامات التي فرضها الاحتلال على قاطفي العكوب بالأغوار 52 ألف شيقل، ولكن من الملاحظ أنه تم تصعيد وتيرة الملاحقة لهم هذا العام.
تزامنا مع ذلك، تطلق سلطات الاحتلال العنان للمستوطنين الذين يدمرون الزراعة الفلسطينية بممارساتهم، فمنذ مطلع العام يطلق المستوطنون أبقارهم بشكل شبه يومي في مناطق عديدة من الأغوار بين المحاصيل الزراعية البعلية للسكان، وتعمل على إتلافها بالكامل.
وتؤدي التدريبات التي تجريها قوات الاحتلال سنويا إلى إحراق وإتلاف غالبية محاصيل القمح والشعير مع حلول موسم حصادها، بالإضافة إلى إحراق وإتلاف مئات الدونمات الرعوية، وفقا لدراغمة، فقبل عامين على سبيل المثال أُحرق حوالي 15 ألف دونم من الأراضي المزروعة بالمحاصيل البعلية والأراضي الرعوية في عدة مناطق من الأغوار بفعل التدريبات، وأمام كل ذلك تقف "سلطة الطبيعة الإسرائيلية" صامتة ولا تحرك ساكنا.
ذريعة حماية الطبيعة ليست أسلوبا جديدا يتخذه الاحتلال للتضييق على مواطني الأغوار والاستيلاء على أراضيهم، فبعد احتلال الأغوار عام 1967 أعلن الاحتلال مساحات واسعة من الأغوار على أنها محميات طبيعية، والمتجول في الأغوار اليوم يلحظ عشرات اللافتات التي وضعت في مناطق عدة منها وعلى مداخل مساحات واسعة من الأراضي تشير إلى أن هذه الأراضي مصنفة على أنها "محميات طبيعية".
تشير معطيات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، إلى أن "الاحتلال يستولي على حوالي 20% من أراضي الأغوار تحت مسمى "المحميات الطبيعية".
تعقيبا على ذلك، أكد دراغمة أن غالبية الأراضي التي صنفها الاحتلال قبل عقود على أنها محميات طبيعية إما منحها للمستوطنين لإقامة بؤر استيطانية عليها أو أقام عليها معسكرات للجيش، فعلى سبيل المثال كان الاحتلال يصنف آلاف الدونمات في منطقتي المزوقح والسويدة بالأغوار الشمالية على أنها محميات طبيعية، لكنه أقام على أراضيها لاحقا معسكرا لتدريب الجيش وبؤرة استيطانية، كما أنه يجري تدريبات عسكرية في هذه الأراضي.
ويضيف دراغمة أن الاحتلال كرر هذا الأمر كثيرا على مدار خمسة عقود منذ احتلال الأغوار، فقبل يومين فقط شرع المستوطنون بإقامة خيام وحظائر في منطقة بيوض القريبة من عين الحلوة، علما أن هذه المنطقة كانت معلنة على أنها مناطق محميات طبيعية منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويؤكد أن الاحتلال يعتبر مواضيع حماية الطبيعة ذريعة لمنع الفلسطينيين من الاقتراب من أراضيهم الزراعية والرعوية، ويستخدم كل هذه التصنيفات للاستيلاء على المزيد من المساحات، حيث لم يكتف الاحتلال بالمساحات التي أعلنها على أنها محميات بعد العام 1967، ولكنه يعلن المزيد من المحميات بين الفينة والأخرى، ففي مطلع العام 2020 أعلنت سلطات الاحتلال عن سبع محميات جديدة في الضفة وتوسيع 12 محمية غالبيتها في الأغوار، بالإضافة إلى إعلان 3 محميات أخرى أواخر العام ذاته، ومن المتوقع أن تتحول هذه المحميات الجديدة لمستوطنات كما حدث على مدار السنوات السابقة.
ونوه دراغمة إلى أن ما يجري هو تحالف بين كل مؤسسات الاحتلال للتضييق على الفلسطيني ومنعه من الوصول لأكبر مناطق ممكنة من الأغوار تحت ذرائع ومسميات مختلفة، وتسهيل تسليم كل هذه الأراضي للمستوطنين وإقامة مستوطنات ومعسكرات جيش على أراضيها.
ووفقا لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، فمنذ "العام 1967 بعد أشهر قليلة من بدء الاحتلال، كانت جميع الأراضي مسجّلة كأراضي دولة في العهد الأردني (وتشكّل نسبة 53% من مجمل مساحة منطقة الأغوار وشمال البحر الميت) كـ"مساحات مغلقة". إضافة إلى هذا التصنيف أعلن الجيش في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات 45.7% من أراضي الغور كـ"مناطق إطلاق نار" ومنع الفلسطينيين من دخولها أو المكوث فيها. كذلك أعلنت إسرائيل نحو 20% من أراضي الغور كـ"محميّات طبيعيّة" و"حدائق وطنيّة" وخصّصت أراضي أخرى للمستوطنات التي أقيمت في الأغوار بعد الاحتلال بوقت قصير (بعض هذه الأراضي يقع تحت أكثر من تصنيف واحد من التصنيفات أعلاه)".
ــــــــــ
ي.ط