الأغوار 24- 3-2022 وفا- إسراء غوراني
تخوفات تعتري أهالي قرى الأغوار من تفاقم أزمة المياه لديهم وتعطيشهم وتجفيف المزيد من مساحاتهم الزراعية، بسبب خزان المياه الضخم الذي تعمل شركة "ميكروت" الإسرائيلية على بنائه منذ أشهر في الجهة الجنوبية من قرية كردلة، لتزويد المستوطنات بالمياه في الأغوار.
فمنذ عام 1967 وحتى اليوم، يتخذ الاحتلال أساليب عديدة لحرمان قرى الأغوار من المياه وتعطيشها، حيث جفف غالبية الينابيع والآبار الارتوازية بفعل الآبار العميقة التي حفرتها "ميكروت" في مختلف مناطق الأغوار، وفي المقابل أصبحت تمنح الفلسطينيين حصصا محددة وضئيلة من المياه، حسب ما صرح به عضو مجلس قروي كردلة محمد فقها.
وأضاف "سلطات الاحتلال تعمل باستمرار على تقليص هذه الحصص ولا تمنحنا إياها كاملة، فالكمية التي تمنح لنا من المياه لا تكفي السكان لأداء احتياجاتهم اليومية بشكل طبيعي، كما أنها لا تكفي لري ربع المساحات الزراعية التي يملكونها".
وتابع: قبل العام 1967 كان لقرية كردلة عين مياه تضخ 150 مترا مكعبا في الساعة، ويروي المزارعون منها غالبية أراضيهم الزراعية، ولكنها جففت بفعل آبار شركة "ميكروت"، حيث أصبحت تزود قرى الأغوار بكميات قليلة من المياه، في حين تزود المستوطنات بكميات كبيرة ومضاعفة، ما أدى إلى تقليص حصة الفلسطيني من المياه، مقابل حصول المستوطن على ثمانية أضعاف.
بدوره، يوضح رائد موقدي من مركز أبحاث الأراضي أن انتهاكات الاحتلال في مجال المياه هي أبرز أشكال الانتهاكات التي تطال المزارع والمواطن الفلسطيني في مناطق الأغوار.
وأضاف أنه في الوقت الذي تزود به مستوطنات الأغوار بشبكات متطورة وبرك حديثة وكميات مياه هائلة ساهمت في توسيع وازدهار الزراعة في المستوطنات، يمنع المزارع الفلسطيني من بناء بركة لتجميع المياه أو مد خط ناقل لأرضه الزراعية، فعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية تم تصعيد وتيرة إخطار وهدم البرك الزراعية في مناطق الأغوار كافة، كما تشهد هذه المناطق تصاعدا في استهداف الخطوط المائية الناقلة وتدمير قسم كبير منها خاصة في منطقة سهل البقيعة.
كما انتهجت سلطات الاحتلال تقليص كميات المياه التي تزود بها قرى وتجمعات الأغوار عبر شركة "ميكروت"، فخلال العام الماضي تم تقليص الحصة المائية المتفق عليها خاصة في قرى الجفتلك وبردلة وكردلة وعين البيضا بنسبة 35%، علما أن كامل الحصة لم تكن تكفي ولا تلبي الزيادة الطبيعية للسكان والمساحات الزراعية، حيث تذرعت سلطات الاحتلال بحجج واهية للتقليص ومنها انخفاض معدل سقوط الأمطار.
وأكد موقدي أن هذه مجرد ذرائع تهدف لتضييق سبل حياة المواطنين والتأثير على مصدر رزقهم الأساسي وهو الزراعة، حيث تشير الدلائل والوقائع على الأرض أن المساحات المزروعة في قرى الأغوار تراجعت بشكل كبير، كما انعكست انتهاكات الاحتلال في هذا المجال على نوعية النباتات والتوجه للزراعات البعلية والمزروعات التي لا تحتاج لكميات مياه، رغم أن الأغوار تقع على أحد أكبر الأحواض المائية في فلسطين وهو الحوض الشرقي، كما أن ذلك أثر على أعداد الثروة الحيوانية في قرى الأغوار وخربها.
ونوه إلى أن الاحتلال لم يبق أي مصدر للمياه في الأغوار إلا وحرم الفلسطينيين منه، فبالإضافة للآبار والينابيع التي تم تجفيفها بسبب حفر آبار عميقة لشركة "ميكروت" حرم المواطنين مما تبقى من الينابيع مثل: عين الحلوة، وأم الجمال، والساكوت من خلال السيطرة عليها بشكل كامل وتسييجها، ومن ثم مطاردة المواطنين والرعاة في حال اقتربوا منها.
ولا يكتفي الاحتلال بكل ذلك، حيث أصبح يعرقل حصول سكان الخرب والتجمعات البدوية على مياه الشرب، من خلال ملاحقة صهاريج نقل المياه والاستيلاء عليها، علما أن الحصول على المياه بهذه الطريقة مكلف جدا بالنسبة للمواطن، حيث تصل تكلفة مترين مكعبين من المياه إلى 120شيقلا لكن السكان في الكثير من التجمعات يضطرون لذلك للحصول على مياه شرب بسبب قطع خطوط المياه عنهم وتخفيض حصصهم، كما قال موقدي.
من جهته، يوضح الباحث في شؤون المياه والاستيطان وليد أبو محسن أن سلطات الاحتلال منذ احتلال الضفة عام 1967 ركزت على منطقة الأغوار كونها منطقة استراتيجية بالأراضي والمياه، وتمثل هذه المنطقة ما نسبته 25% من أراضي عام 1967.
وأضاف أن غالبية ينابيع الأغوار الكبيرة التي تعتمد عليها قرى الأغوار تم تجفيفها بسبب الآبار العميقة التي حفرتها الشركة الإسرائيلية، بالإضافة لتجفيف وإغلاق الآبار الارتوازية، وبعد ذلك تم تخصيص حصص محددة من مياه لمناطق الأغوار من شركة "ميكروت".
وأكد أبو محسن أن منطقة الأغوار كانت تزخر بالآبار الارتوازية قبل عام 1967، وتعتمد عليها الزراعة بشكل كامل، بالإضافة إلى الينابيع، فكان هناك 56 بئرا في مناطق الأغوار كاملة منها 17 بئرا في منطقة طوباس والأغوار الشمالية وحدها، بالإضافة إلى 40 مضخة كانت تضخ من مياه نهر الأردن مباشرة وتزود المزارعين في الأغوار، لكن بعد العام 1967 تم تجفيف غالبية مصادر المياه وإيقاف كافة المضخات عن العمل.
وفيما يتعلق بحصص تجمعات الأغوار بعد ذلك، أوضح أن سلطات الاحتلال خصصت للفلسطينيين في الأغوار حصص مياه بدلا عن المياه التي تم تجفيفها، حيث تم تخصيص 5 مليون متر مكعب من المياه سنويا للأغوار الشمالية وحدها، بالإضافة إلى مليونين ونصف المليون متر مكعب لباقي مناطق الأغوار، الاحتلال لم يلتزم بهذه الكمية، كما أنه عمل على تقليلها تقليل بحيث لا تكفي للأغراض الزراعية والحياتية، وهو ما انعكس على تراجع الزراعة بشكل ملحوظ بشقيها النباتي والحيواني.
وحول أعمال البناء القائمة والمستمرة من قبل شركة "ميكروت" لخزان وخط مياه قرب قرية كردلة، أكد أبو محسن أن الاحتلال يهدف من خلال ذلك إلى فصل الخطوط الناقلة للتجمعات الفلسطينية عن الخطوط الناقلة للمستوطنات لتسهيل قطع المياه عن التجمعات الفلسطينية، مقابل استمرار ومضاعفة مياه المستوطنات، وتعميق أزمة المياه لدى الفلسطينيين، وهو يمثل تطورا خطيرا بهذا المجال.
وجاء في بيان مشترك صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء، وسلطة المياه، لمناسبة يوم المياه العالمي، أن الاحتلال الإسرائيلي منع الفلسطينيين من الوصول إلى مياه نهر الأردن منذ عام 1967، والتي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب.
وأوضح أن الإجراءات الإسرائيلية أدت الى الحد من قدرة الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية وخصوصا المياه، وإجبارهم على تعويض النقص بشراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت"، حيث وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي 90.3 مليون متر مكعب عام 2020، والتي تشكل ما نسبته 20% من كمية المياه المتاحة التي بلغت 448.4 مليون متر مكعب.
كما أكد أن معدل استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه ما زال أقل من الحد الأدنى الموصى به عالمياً حسب معايير منظمة الصحة العالمية وهو 100 لتر في اليوم، وذلك نتيجة استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 85% من المصادر المائية الفلسطينية.
ــــــــــــ
/س.ك