القدس 5-4-2022 وفا- ليالي عيد
بين حواجز الاحتلال وفوهات بنادقه، وأمام أنياب مخاطر التشريد والتهجير والاعتقال والحبس المنزل ينشأ أطفال القدس، حتى باتت أحلامهم مقتصرة على البقاء في منازلهم فقط.
اليوم 5 نيسان، يوافق يوم الطفل الفلسطيني، الذي يمرّ على أطفال فلسطين والقدس تحديدا وهم يعانون من حرمانهم من أبسط حقوقهم بالتمتع بطفولتهم البريئة وحقهم في الحياة، جراء انتهاكات الاحتلال المتواصلة بحقهم.
لم يكن الطفل الفلسطيني بمعزل عن هذه الإجراءات الاحتلالية؛ بل كان في مقدمة ضحاياها؛ رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال؛ وفي مقدمتها "اتفاقية حقوق الطفل"، التي تنادي بحق الطفل بالحياة والحرية والعيش بمستوى ملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، واللعب، والأمن النفسي، والسلام.
وأعلن عن هذا اليوم، بتاريخ 5 من نيسان من 1995 في مؤتمر الطفل الفلسطيني الأول، حيث أعلن الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات التزامه باتفاقية حقوق الطفل الدولية، وصادقت فلسطين، رسميًا، عليها في الثاني من نيسان 2014.
بالرغم من تجريم اعتقال الأطفال وتقديمهم لمحاكم عسكرية، تواصل سلطات الاحتلال اعتقالهم وتقديمهم لمحاكم صورية تصدر بحقهم أحكاما بالسجن الفعلي لعدة سنوات كما حدث مع الطفل المقدسي أحمد مناصرة، الذي قضى طفولته المبكرة في الاعتقال.
ولا تزال على قيد ذاكرة الفلسطينيين وهم يحيون هذا اليوم مأساة الطفل أحمد مناصرة ابن بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة "أيقونة الطفولة الفلسطينية المغتصبة" الذي ودع طفولتَه في الأسر، وشبّ خلف قضبان الاحتلال بعد أن اعتقل وهو طالب في الصف السادس في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 2015 خلال عودته من المدرسة برفقه ابن عمه حسن خالد مناصرة (15 عاماً)، حين أطلق جنود الاحتلال النار عليهما، استشهد ابن عمه، وأصيب هو بجروح واعتقل، وقد اتهمهما الاحتلال لاحقًا بتنفيذ عملية طعن لمستوطنين قرب مستوطنة بيسغات زئيف في مدينة القدس.
تعرض الطفل مناصرة إلى تحقيقات قاسية واعتداءات وحشية، فلم يكتفِ الاحتلال باعتقاله وإطلاق الرصاص عليه من مسافة الصفر، بل مارس بحقه أبشع طرق التحقيق، وقد تعمدت قوات الاحتلال تسريب فيديو لإحدى جلسات التحقيق الأمني معه، وكانت كلها تعنيفاً وتهديداً لطفل لم يتجاوز وقتها 12 عامًا، وظهر أحمد في الشريط باكياً وهو يواجه محققاً فظاً بقوله "مش متذكر"، في وقت ظل فيه المحقق يصرخ بصوت عالٍ في وجه مناصرة بغية ترهيبه ونيل اعترافات مجانية منه تعزز رواية الاحتلال.
عاقبه الاحتلال بـ12 عامًا سجنًا، وبات يمرّ في حالة صحية صعبة نتيجة إصابته باضطرابات نفسية على خلفية عزله في ظروف قاسية.
بلال عودة يستذكر في حديث لـ "وفا"، تفاصيل الحملة التي أطلقت للمطالبة بإطلاق سراح الأسير مناصرة بعد إصابته باضطرابات نفسية، ويقول: "أطلقت حملة الكترونية من قبل الشبكة الفلسطينية العالمية للصحة النفسية لإطلاق سراح الأسير مناصرة بعد إصابته باضطرابات نفسية، بمشاركة نشطاء ووجهاء ومؤسسات مقدسية وخبراء نفسيين، بدأت بإطلاق عريضة الكترونية للمطالبة بإطلاق سراحه، وما زالت الحملة مستمرة وتجاوز عدد الموقعين عليها 16 ألفًا، وخلال الأيام العشرة الأخيرة، أطلق نشطاء ما سموه عاصفة الكترونية لتكثيف المطالبات بإطلاق سراحه".
وأضاف عودة: "الفكرة الرئيسة التي نحاول التركيز عليها هي فكرة الاقتلاع النفسي والاجتماعي للطفل من واقعه وبيئته الاجتماعية، هذا الاقتلاع يمارسه الاحتلال بحق أطفال القدس خاصة وفلسطين عمومًا".
ولا تعد قصة مناصرة الوحيدة من نوعها، فهناك العديد من القصص المؤلمة التي يعيشها أطفال القدس، الذين باتوا ضحايا الانتهاكات الاحتلالية، بل في مقدمة ضحاياها، رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تضمن حقوق الأطفال، وفي مقدمتها، "اتفاقية حقوق الطفل الدولية".
وقال رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد أبو عصب لـ "وفا": ما زال الطفل المقدسي يعيش ظروفا معقدة فرضها الاحتلال الإسرائيلي على العاصمة الفلسطينية المحتلة، مئات الأطفال الفلسطينيين وبينهم عشرات المقدسيين تم اعتقالهم خلال عام 2021، واستمر اعتقالهم حتى الآن، هناك حالة استهداف لأطفال مدينة القدس، فالاحتلال يخشى هذا الجيل الصاعد الذي سيحمل شعلة الدفاع عن المدينة ومقدساتها، ولذلك يسعى إلى قتل الروح الوطنية في نفوس الأطفال الذي رأيناهم في باب العمود والشيخ جراح وسلوان وهم يدافعون عن الجغرافيا المقدسية".
واعتقلت سلطات الاحتلال منذ عام 2000، أكثر من 16000 طفل دون سن 18 عامًا، بحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين.
وأفادت الهيئة في تقرير، لمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، بأن أكثر من 85% من الأطفال تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب أو التنكيل الجسدي والنفسي على أيدي قوات الاحتلال.
وفي ذلك، يقول رئيس مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري لـ "وفا": كل الانتهاكات الاحتلالية في القدس تنعكس بشكل مباشر على الأطفال المقدسيين، وتترك آثارًا نفسية سلبية عليهم، وهناك أيضًا الانتهاك المباشر للطفل المقدسي، ما بين القتل والاعتداء والاعتقال والحبس المنزلي والحرمان من الدراسة وهدم منازل العائلة، هناك آلاف الأطفال المقدسيين تعرضوا لهذه الانتهاكات، وما زال أحمد مناصرة رمزًا لضحايا الانتهاكات الاحتلالية".
ـــــ
/و.أ