أريحا 27-5-2022 وفا – زهران معالي
إلى الجنوب من مدينة أريحا وعلى بُعد ثمانية كيلومترات، بدأ صباح اليوم الجمعة الاحتفال بـموسم "النبي موسى"، أحد أكبر مواسم فلسطين الدينية، منذ عهد صلاح الدين الأيوبي (1187 م)، والذي شكل مأوى تاريخيا للمتعبدين منذ الفترة البيزنطية.
وعادة يحتفل الفلسطينيون بموسم النبي موسى في الجمعة الثانية من شهر ابريل/ نيسان، لكن ولأول مرة في العصر الحديث يؤجل لشهر أيار/ مايو، وذلك لتوافق الذكرى مع شهر رمضان المبارك، وفق مدير مقام النبي موسى، الشيخ نوح الزغاري.
ومنذ ساعات الصباح، بدأت الاحتفالية بانطلاق زفة البيارق من الطريق الموصل للمقام، بمشاركة الفرق الصوفية والكشفية، كما قدمت فرق الأناشيد فقرات من المديح النبوي، فيما توافدت العائلات من المدن الفلسطينية للاحتفال بالموسم الديني، وتلا ذلك إقامة شعائر صلاة الجمعة.
وقال الزغاري لـ"وفا"، إن الاحتفالية اليوم هي تكميلية للافتتاح الرسمي الذي جرى في الثالث عشر من أيار الجاري، وتأتي بمشاركة رسمية من محافظة أريحا والأغوار والمجلس الصوفي الأعلى ووزارة الأوقاف، حيث بدأت الفعاليات الساعة العاشرة صباحا.
ويتبع مقام موسى لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، ويبعد ثمانية كيلومترات جنوب مدينة أريحا، و28 كيلومترا إلى الشرق من مدينة القدس، وهو من أكبر المقامات في فلسطين من حيث المساحة، حيث يتربع على خمسة دونمات من الأرض والبناء، ومحاط بثلاث مقابر من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية كلها مقابر ما زال المسلمون يدفنون موتاهم فيها، وفق ما يؤكد الزغاري.
ويشير إلى أن حركة الزوار نشطت للمقام خلال العام الماضي، حيث استقبل المقام أكثر من مئة ألف زائر، وازادت خلال العام الجاري، بعدما توقفت خلال عامي 2019 و2020 نتيجة تفشي فيروس "كورونا".
وامتاز هذا العام، باستقبال المقام وفودا سياحية لمسلمين من عدة دول أبرزها تركيا والهند وماليزيا وجنوب أفريقيا وسنغافوريا، عبر شركات ومكاتب سياحية نشطت بتنظيم جولات على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي ومقام النبي موسى.
"المقام على أجندة كل زائر لأريحا أو خارج منها أو عابر سبيل، فالصلاة تقام فيه الأوقات الخمس والجمعة، ويرفع الآذان عبر البث الموحد" كما يؤكد الزغاري.
ويشير إلى أن الأهمية التاريخية للمقام تكمن بأن صلاح الدين الأيوبي أوجده على الطريق التاريخي القديم "الطريق التجاري ما بين الشرق والغرب"، وأن الهدف من إنشائه هناك أن يكون في صحراء القدس وأن يكون هناك تواجدا للمسلمين وإظهارا ليقظتهم وقوتهم في ذلك المكان؛ خوفا من أن يؤخذوا على حين غرة.
ويؤكد أن الظاهر بيبرس أنشأ مباني المقام وبنى قبة المسجد عام 1265 وأوقف عليه الكثير من العقارات والأراضي، وتوسع في مبانيه العثمانيون فيما بعد، ويعد المقام من المقامات التاريخية الدينية القديمة في فلسطين، الذي يؤمه عشرات الآلاف من المواطنين والوفود السياحية والداخلية والخارجية من جنسيات مختلفة سنويا.
ومنذ قرابة العامين، سخرت وزارة الأوقاف- وفق الزغاري- اهتمامها بالمقام للأفضل، حيث وظفت عشرة موظفين للعمل على مدار الساعة بالمقام بمجالات الحراسة والنظافة والصيانة، وعملت على تحسين البنية التحتية من المياه والكهرباء والوحدات الصحية والخدماتية، لاستيعاب الزيادة في أعداد الزوار.
وينوه إلى أن الوزارة من المقرر أن ترفع عدد العاملين بالمقام إلى 25 موظفا، أي بزيادة 15 موظفا خلال شهر تموز/ يوليو المقبل، بهدف العمل بالحراسة والنظافة والصيانة والترجمة والعلاقات العامة وإمام وخطيب للمسجد وواعظة.
وخضع المقام خلال السنوات الماضية لعدة عمليات ترميم، كان أبرزها- كما يوضح الزغاري- قبل 11 عاما حيث جرى ترميم جزء منه بواسطة مؤسسة التعاون والتنمية التركية "تيكا"، كما جرى عملية ترميم شاملة للمقام من الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات، بمجال البنية التحتية.
ويضم المقام مسجدا للرجال وآخر للنساء وبينهما غرفة الضريح ومقام النبي موسى، كما عملت وزارة الأوقاف على تأهيل قطعة أرض خارجية وتشجيرها وإقامة حديقة للأطفال، من أجل المحافظة عليه وتشجيع زيارته وإعماره، كما يؤكد الزغاري.
ويتكون المقام من ثلاثة أدوار إضافة إلى ساحات خارجية ومسجد والمقام وما يزيد على مئة غرفة كانت تستخدم قديما لخدمة الجموع القادمة من بلاد الشام إلى المسجد الأقصى.
وعلى مدار قرون كان الاحتفال بموسم النبي موسى يأخذ طابعا دينيا واجتماعيا، حيث يستنفر أهل القدس لاستقبال الوفود القادمة من مدن فلسطين بالورود والزغاريد وعلى وقع الطبول والأهازيج، وكان أهل الخليل ونابلس يتنافسون في أعدادهم وما يجلبوه من خيرات، ويستعرضون قوتهم بهتافات ضدّ الاستعمار، مثل: "نحنا ولاد جبل النار شوكة بحلق الاستعمار".
ووفق مؤرخين، فإنه بعد صلاة الجمعة الثانية من شهر ابريل/ نيسان بالمسجد الأقصى، كان ينطلق موكب مهيب ترفع فيه البيارق يتقدمه المفتي وأعيان المسلمين والمسيحيين.
وارتبط الموسم بهبة النبي موسى عام 1920، والتي دارت بها مناوشات بين اليهود والعرب بعدما اعترض اليهود وفد مدينة الخليل القادم للقدس، فدارت مواجهات استمرت ستة أيام، واستشهد فيها أربعة فلسطينيين وقتل خمسة يهود وجرح المئات.
وعقب احتلال إسرائيل للأراضي المحتلة عام 1967 منعت إحياء الموسم حتى عام 199 حيث أعادت السلطة الوطنية الفلسطينية ترميم المقام وزادت اهتمامها به والحفاظ عليه.
ـــــ
ر.ح