الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 08/06/2022 02:54 م

جورج قرمز.. حنجرة الثورة التي اختفت قبل 40 عاما

رام الله 8-6-2022 وفا- (تقرير يامن نوباني، فيديو: أسيل صادق)

كل الطرق لا تؤدي إلى جورج قرمز. صاحب الحنجرة الثورية التي صدحت نهايات السبعينيات والثمانينيات بكلمات عبأت وحشدت وشحنت الجو الوطني العام.

هكذا، دون أسباب واضحة، ودون معرفة إلى أين؟ ومتى؟ وكيف؟ اختفى ابن البلدة القديمة في القدس، جورج قرمز قبل أكثر من 40 عاما. تاركاً خلفه هدير أغنيات: يلا يا عشاق الأرض، صبراً لن ينتصر الناب على طفلتي، أنا اسمي شعب فلسطين، أي شيء يقتل الإصرار، الويل لكم، سجل أنا عربي، أنصار طلقتنا، أرضنا الجميلة، ضد، يا سحابة عمري"..

فنان ثوري باقٍ، بلا عمر أو مكان أو تاريخ ولادة، حتى أنه بلا صورة! حتى العام 2020، قبل أن يتوصل المتحف الفلسطيني إلى أول صورة له ويقوم برفعها على الانترنت، لتعرف الناس على الأقل ملامحه.

من النادر جدا أن يختفي مغنٍ أو أي عامل في شأن ثقافي وفني دون خيط يصل اليه. لكن جورج قرمز فعلها، فعلها إلى درجة أن محرك البحث العالمي "غوغل" لا يعطي الباحث عنه أكثر من ثلاث إلى أربع مقالات تذكره!

هذا المحرك الذي يعطي كل من هب ودب، مساحة وروابط وتفاعل، ويمنح كل المواهب إضافة ما تريده، من صور وكلمات وحوارات ومقابلات، يضيق على جورج قرمز، الذي كانت تتسع كل فلسطين لأغانيه، وتفيض إلى الشتات والدول العربية وتهرب كاسيتات أغانيه إلى دول أجنبية.

أول رابط تعريفي بجورج قرمز، وهو موقع ويكيبيديا، يعطي الباحث سطراً واحدا: مغنٍ ثوري فلسطيني أصدر عدة ألبومات في الثمانينيات، ثم اختفى فجأة من الوسط الفني.

حتى أن بعض المواقع عرفته بأنه فنان "لبناني" أو "فلسطيني– لبناني"، فيما ذهبت مواقع أخرى إلى القول إنه ربما يكون عمل تحت اسم مستعار!

 

ثلاثة أسماء فقط أضافت مقالات حاولت الوصول إلى نتيجة، وهم: مهند ابو غوش، وشاكر فريد حسن، وأحمد جميل عزم.

 23  اتصالا هاتفيا على مهتمين وعاملين في الشأن الثقافي والاكاديمي والفني والأغنية الوطنية، موزعين على 5 دول عربية، كانت إجابتهم جميعاً متقاربة: لا نعرف أين صار جورج قرمز، أو لماذا اختفى فجأة، وكيف انقطعت كل السبل للوصول إليه.

لا أحد يعرف بالتحديد كم ألبوما أو كم أغنية أداها جورج قرمز، أو مواعيد إطلاقها. لا سنة محددة لانتشار تلك الأغنيات، سوى أنها شاعت في نهايات السبعينيات والثمانينيات.

المعلومة الوحيدة التي تضاف إلى حياة جورج قرمز منذ أربعين عاماً إلى اليوم، هي أنه يعيش اليوم في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الأرجح في ولاية "كاليفورنيا". لكن لا أحد يعرف ماذا يعمل أو ماذا صنع طيلة عشرات السنوات الماضية.

المهندس والمغني الوطني فترة الانتفاضة الأولى ثائر البرغوثي، أوضح لـ"وفا": الفنانون كجورج قرمز والنخبة التي ظهرت في "انتفاضة الحجارة" نهايات الثمانينيات، والجزء الأول من التسعينيات كانت فترة ذهبية تألقوا فيها وكان الجو العام الشعبي والوطني هو التربة الخاصة، التي أنتجتها هذه الأغاني الثورية وعبأت الناس وشحنتها.

هذه الأصوات القوية التي ظهرت في تلك الفترة، قد تكون قلة من الأغاني التي ظهرت لجورج قرمز لكنها كانت كافية بكثافتها لترسم اسمه بحروف من ذهب، وهي لشعراء عظماء، كـمحمود درويش، وتوفيق زياد، وراشد حسين.

ولفت، نحن من الناس التي سمعت هذه الاغاني وتأثرت بها، ورغم أنني فنان أدى الكثير من أغنيات الثورة والانتفاضة، إلا أن اغاني جورج قرمز كان لها بالغ التأثير في طفولتنا وما بعدها، كنا ننمو على الاغاني الثورية.

وأضاف البرغوثي: ليست لدي معلومات دقيقة، لكنني أعتقد أن هناك تجارب يفضل أصحابها التواري عن الأنظار، بعد انتاج قطع فنية باقية ومخلدة وموثقة في تجربة شعبنا وتاريخه، قد يكون هذا أحد الاحتمالات. وقد تدخل في هذا الجانب عوامل شخصية، ربما مالية، أو علاقة التجربة الفنية بالمعيشة، فهل الفن كافي لتوفير مستوى معيشي وتلبية الاحتياجات، أو أن يذهب الفنان إلى مجال آخر. وهنا  أقتبس من تجارب حصلت مع فنانين اخرين.. تواروا بعد تجربة قوية علقت في أذهان الناس. في النهاية هو اختفاء شخصي خاص.

بدورها، الباحثة في الأرشيف الرقمي بالمتحف الفلسطيني سمر عزريل، قالت لـ"وفا": أثناء قيامي بتوثيق تجربة فرقة البراعم، مع إيميل عشراوي أحد مسؤولي الفرقة، عرض علي صوراً قديمة للفرقة، وكان جورج في تلك الصور، فقمنا بتوثيق صورته ورفعها على أرشيف موقعنا، وكانت تعليقات الناس عليها أنها المرة الأولى التي يتعرفون فيها على ملامح جورج قرمز.

وأضافت: حاولنا الحصول على المزيد من المعلومات، دون جدوى، لا نعرف أين ذهب، لا تواصل معه أو مع مقربين منه، فقط نسمع أنه في "الولايات المتحدة الأميركية".

المصور والموسيقي والمسرحي، إيميل عشراوي، قال لـ"وفا": آخر مرة رأيتها فيها كانت عام 1976، أثناء علمه معنا في فرقة "البراعم". بعد ذلك استمعت إلى أغانيه كما الناس كانت تسمعها.

وأضاف: كل ما أعرفه عنه منذ 47 عاما هو أنه يعيش في ولاية "كاليفورنيا" في الولايات المتحدة الأميركية، وأكمل تعليمه هناك. وكان والده يعمل في الخليج، وله شقيق وشقيقتان، لكن لا أعرف أين أراضيهم.

من جهته، الأكاديمي أحمد جميل عزم، قال لـ"وفا": منذ بدايات الثمانينيات وحتى اليوم، أستمع إلى أغانيه في سيارتي. كتبت عنه مرتين، فظهر لي شخص في البحرين اسمه رامي رشيد، يعرفه من زمن السبعينيات والثمانينيات، وحضر له حفلات في تلك الفترة.. وقبل شهر حدثني شخص أنه رآه في مقابلة، وأنه يملك أصدقاء من رام الله عاشوا في الولايات المتحدة الأميركية.

حاولتُ أن أعرف قرمز أكثر؛ صورته على "اليوتيوب" تظهر شابا يافعا، ولا معلومات عنه. لا بد أنّه الآن في الخمسينيات أو الستينيات من عمره. تفاجأت بالباحثة والفنانة ريم كيلاني، وقد أعدّت بحثا مفصلا في تاريخ الأغنية الفلسطينية، قدّمته في مؤتمر دولي، لكن، لا إجابات لأسئلة بحثي عن قرمز. من مقال أحمد جميل عزم (جريدة الغد 2012).

في مقاله عام 2014 (عن الانتفاضة: كيف اختفى جورج قرمز)، كتب مهند أبو غوش: "تنويه: لن يعرف أحد أبدا، في طول الأرض المحتلّة وعرضها: من هو جورج قرمز.. لو حاولت تتبع اسم العائلة، فلن تجد لها أثرا في فلسطين ولبنان.

لن يعرف أحد أبدا، في سائر أرجاء الكوكب: في أي غرفة مغلقة كان يغني جورج قرمز، خوفا من "الشاباك". كيف كان يتم تسجيل الأشرطة وتوزيعها على عتبات المنازل.

لن يعرف أحد أبدا كيف ذاب فدائي اسمه جورج قرمز.. بلا مقبرة.. بلا صفحة واحدة تحكي عنه.. بلا زوجة.. بلا أولاد يقولون على الفيسبوك هذا أبي.".

ــــــــــــــ

/س.ك

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا