غزة 15-11-2023 وفا- سامي أبو سالم
بعد كل غارة جوية على منازل المواطنين في قطاع غزة، تهرع سيارات الدفاع المدني والإسعاف لانتشال الضحايا لإسعافهم، أو للتعرف إليهم ودفنهم، لكنهم في كل مرة يجدون من سبقهم من جيران ومتطوعين قد هبوا لنجدة جيرانهم وأصدقائهم، باستخدام أدوات بدائية، أو بأيديهم، لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، قد ينجحون وقد يخفقون.
"توجه لإنقاذ المتواجدين داخل منزل استُهدف بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، قبل يومين، ليتفاجأ بأنه منزله، فلم يستطع المواطن معتز الكحلوت الذي يعمل ضمن طواقم الإنقاذ، ومن معه من فرق الإنقاذ والجيران انتشال 19 مواطنا من الذين ارتقوا في هذه الغارة، والحفر والتنقيب بأيديهم للوصول إلى المفقودين"، حسب ما قاله ابن عمه عزيز الكحلوت.
ويضيف: أي منزل يتعرض للقصف يهب الجيران للمساعدة على الرغم من الخطر، فأحيانا تكرر طائرات الاحتلال قصف المكان نفسه بعد دقائق، وأحيانا تُقصَف فرق الإنقاذ والإسعاف، فهي فطرة طبيعية لمساعدة المنكوبين، من منطلق وطني وأخلاقي وديني واجتماعي".
لم تتوقف الغارات الفتاكة على المواطنين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واللافت أن معظم الغارات لا تستهدف منزلا مأهولا فقط، بل عدة منازل ومربعات سكنية، الأمر الذي يرفع حصيلة الشهداء والجرحى في كل غارة.
وفي مدينة دير البلح، قصفت الطائرات الحربية منزل عائلة يوسف، قبل أقل من أسبوع، ما أدى إلى استشهاد 6 مواطنين، بينهم أم وطفلتها من عائلة الحسنات، والطفل محمد رفعت يوسف.
توجهت فرق الإنقاذ وانتشلت من كان بمتناول قدراتها ثم غادرت، لكن الفتى حسام يوسف بقي تحت الركام لمدة 3 أيام، هب جيران العائلة للتنقيب عمن تبقّى من الضحايا، واستخدموا أدوات بدائية من مطرقة وفأس ومنشار يد لقطع الحديد، كل ذلك لإزالة الركام بحثا عن حسام.
استخدموا أيديهم العارية ولم يفلحوا، فاستأجرت العائلة "الحفار"، بيد أنه لم يجدِ نفعا، لأنه بحاجة إلى الوقود، فتوجت للملمة الوقود، شراء أو اقتراض أو غير ذلك.. جمعوا ما مقداره 40 لترا لتشغيل الحفار، ولكن بعد ساعة ونصف الساعة توقفت عن العمل، فعاد المواطنون للتنقيب بأيديهم إلى أن وجدوا الشهيد حسام.
وفي مخيم المغازي، قصفت الطائرات الحربية بناية سكنية مؤلفة من ثلاثة طوابق تعود لعائلة البروفيسور عز عفانة، في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ما أدى إلى استشهاد أفراد أسرته عدا ابنه ممدوح وزوجته، ليجد مراسل "وفا" الجيران وأبناء الحي قد هبوا للمساعدة بالمعاول، والمطارق، والجواريف.
وقد انتشر الجيران في أماكن مختلفة من بيت عفانة، فمنهم من كان يفتش بين أشجار الزيتون في الحديقة، حيث وجدوا جثمان فتاة وألقوا عليها ملاءة، وحملوها إلى المستشفى، وآخرون التفوا حول البيت من الخلف، وغيرهم ينادون تحت قطع الخراسانة الضخمة.
أزاح الشبان من أبناء الحي بعض قطع الأثاث وحفروا بأيديهم في كومة من الحجارة، فظهرت قطعة بيضاء لحفاظة طفل، أسرع الشبان في الحفر حتى يلحقوا به قبل الاختناق، وأزالوا حجارة من حوله، فتبين أنه طفل لم يتجاوز ثلاث سنوات، فحملوه وانطلقوا به.
ما إن انتشلوا الطفل حتى ظهرت يد أخرى، فعاد جزء من الشبان وأزاحوا رمالا وحجارة بأيديهم وانتشلوا جثمان طفلة في العاشرة من عمرها تقريبا.
وقال كريم عبد الهادي، أحد الذين هبوا لنجدة عائلة عفانة، "إنه توجه إلى هناك كواجب أخلاقي في المقام الأول وواجب اجتماعي. "أي بيت يتعرض للقصف أشعر بواجبي تجاههم، سواء أكانوا جيرانا أو غير جيران، فأخلاقنا تحتم علينا نجدتهم".
وأشار إلى أنه اعتمادا على حروب وتجارب سابقة، بات للمواطنين بعض الخبرة وكثير منهم شارك في دورات تدريبية لمساعدة من هم تحت الأنقاض.
"أهم شيء السرعة، وعند وصول رجال الإنقاذ تجب إتاحة المجال لهم والاستماع لتوجيهاتهم، ومما تعلمناه هو البحث حول البيت المقصوف وليس في البيت فقط، والانتباه إلى انفجار أنابيب الغاز، والبحث تحت الأنقاض، والمناداة فربما يكون هناك أحياء". أضاف عبد الهادي.
وكالعادة، هب الجيران لإنقاذ من يمكن إنقاذه، ووصل فريق الإنقاذ وأنقذ من استطاع وغادر.
وقال حسين محمد، موظف في الدفاع المدني، إن الجيران يساعدون، فهم يصلون قبل الدفاع المدني، وهم مشكورون على جهودهم".
وأشار إلى أن "فرق الإنقاذ تعمل فوق طاقتها، بسبب كثافة القصف، وأحيانا يكون هناك أكثر من قصف في منطقة واحدة والعدد لا يكفي"، مضيفا أن وجود شبان من الجيران أمر جيد، فهم يساعدون الطواقم إذا كان لديهم وعي كافٍ.
وأضاف حسين "أن من فوائدهم الاتصال السريع والإشارة السريعة إلى مكان القصف، وأحيانا يقفون عند مفترقات الطريق، ليدلوا سائق سيارة الإنقاذ على الطريق الأسهل للوصول".
وقد تجاوز عدد الشهداء في قطاع غزة منذ بداية العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي الـ11255 شهيداً، بينهم4,630 طفلاً، وأكثر من 3,130 امرأة، و682 مسناً، فيما بلغ عدد الإصابات نحو 29 ألفا، كحصيلة غير نهائية.
ـــــــــــ
س.ك