أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 23/11/2023 09:42 ص

الصداقة المسلوبة

قلقيلية 23-11-2023 وفا– ميساء عمر

لم يتمكن الشاب محمد سويدان من بلدة عزون شرق مدينة قلقيلية الخروج من حالة الصدمة التي أصابته، بعد أن فقد صديق عمره الشهيد أمير عبد الرحمن مجد، برصاصة قاتلة أطلقها عليه جنود الاحتلال فرقتهما للأبد ووضعت حدا لصداقتهما التي استمرت ثلاثين عاما.

أصبح قتل الفلسطينيين أقل سهولة لدى جنود الاحتلال، ويتلقون دعما رسميا من حكومتهم المتطرفة، كما تم سن عدد من القوانين لتسهيل عملية اطلاق النار حتى دون أن يتشكل أي خطر على حياة الجنود، ما تسبب بسقوط العديد من الشهداء والجرحى في مختلف محافظات الضفة الغربية لمجرد الاشتباه، خاصة أن جرائمهم تمر دون محاسبة داخلية أو ملاحقة قانونية.

يجلس سويدان أمام قبر صديقه هائما لساعات، لا يريد الكلام، ولا مغادرة المكان، فقط يجلس معتصرا ألمه، لعله يستعيد جزءا من ذكرياته مع صديق طفولته، فثلاثين عاما من الصداقة لا يمكن أن تنسى بسهولة.

كانت الساعة الواحدة من فجر أمس الأربعاء، عندما كان محمد يستقل مركبته برفقة صديقه الشهيد أمير عائدين الى منزليهما في بلدة عزون شرق قلقيلية بعد سهرة مع صديقهما في القرية المجاورة عزبة الطبيب التي تبعد ما يقارب الـ 2 كيلومتر عن البلدة، يقول محمد.

أثناء عودتهما كان يجلس الشهيد أمير بجانب صديقه متابعا للأخبار عبر جهازه الخلوي، وقد قرأ عبر منصات التواصل الاجتماعي عن تواجد قوات الاحتلال بالمنطقة الشرقية من البلدة بالقرب من محطة الوقود على الشارع الرئيسي، فأشار إلى صديقه بتغيير الطريق تجنبا للمكان الذي يتواجد فيه جيش الاحتلال.

وبالفعل سلك محمد طريق قرية عسلة الواقعة جنوب البلدة، لكنه ما إن وصل مدخل البلدة حتى انصب الرصاص على مركبته كالمطر من كل الجهات، وبحسب محمد، يبدو أن جنود الاحتلال قد نصبوا كمينا لاستهداف أحد الشبان بالمنطقة.

يقول محمد لـ "وفا"، إنه أوقف المركبة فورا، وخفضا رأسيهما بسرعة، لكن رصاصة غادرة أصابت صديقه في منطقة الظهر، فصرخ أمير لحظتها: "بناتي بناتي".

ويضيف محمد، "إنها لحظات صعبة وقاسية، هاتفت الإسعاف، وبدأت بتهدئة "امير" وأبعث في نفسه الأمل، فكان ينتابني شعور قاطع بأن هذه الليلة هي الأخيرة لنا سويا، لما رأيت من تدفق للدماء بغزارة من جسده وكأنه شلال، بدأت أقول له: إنها ليست النهاية يا صديقي، إنك أقوى مني، وسنضحك على هذه الليلة التي سنتجاوزها سويا، وحينها كان يردد "امير" فقط الشهادتان، فـأمير كان شابا خلوقا مهذبا، بشوش الوجه محبا للحياة، مواظبا على صلاته مؤمنا بقضاء الله وقدره."

ويتابع، بعد فترة من الانتظار حاولت نقله إلى مستشفى قلقيلية، وحينها التقيت بالإسعاف وقاموا بأخذ أمير ورافقتهم بالمركبة لكننا تفاجأنا بحاجز طيار عسكري لجنود الاحتلال على مدخل البلدة فأعاقوا تحركنا، وتم تأخيرنا وكل هذا الوقت وأمير ينزف إثر إصابته.

وقال، حصلت مشادة كلامية بيني وبين جنود الاحتلال رغبة مني في السماح لنا بالمرور وتم حينها احتجازي، وبقيت من الساعة الثانية فجرا حتى الظهيرة مكبل اليدين، وأتعرض للضرب والشتم، ومع ذلك كنت أقول: "المهم ان يكون أمير بخير".

وصل أمير بسيارة الإسعاف إلى مستشفى درويش نزال الحكومي بمدينة قلقيلية وظروفه الصحية صعبة بسبب النزيف الحاد، وما هي الا لحظات حتى أعلن الأطباء عن استشهاده.

وقال، شعرت أنني توفيت عندما علمت أن أمير استشهد، ومنذ أمس لم أفارق قبره، أحدثه، أتمنى لو ان هذا حلما، أتمنى لو يفيق ويحدثني عن طفلتيه غنى "ذات الخمس سنوات وشهد ذات العامين والنصف"، وكم كان متشوقا ليرى طفله القادم الذي لم يولد بعد.

كان محمد هو الصديق الأقرب لأمير، فطيلة حياتهما كانا خليلين لبعضهما البعض، تعلما في روضة الاطفال وفي المدرسة سويا، تزوجان وسكنان بالقرب من بعضهما البعض، لكن الاحتلال سلب صداقتهما للأبد.

إلى ذلك قالت نفين مجد في العشرينات من العمر وهي زوجة الشهيد، أن أمير ومحمد حصلا على رخص قيادة مركبات عمومي وشحن، فعمل أمير كسائق عمومي، وعمل محمد كسائق شحن، وعرف عنه بالسيرة الحسنة، سواء بين أصدقائه أو وسط عائلته، فرغم انه يتوسط أخوته الأربعة إلا أنه كان أكثرهم حنانا وعطفا.

وتابعت كان امير متعلقا جدا بطفلتيه، وكان يخطط لشراء أرض زراعية يستغلها للتغلب على الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولأداء مناسك العمرة في شهر رمضان المقبل، ولكن اليوم سلب الاحتلال كل خطط العائلة المستقبلية.

الشهيد أمير واحد من الشبان الفلسطينيين الذين ذهبوا ضحية سياسة عمليات الإعدام الميداني التي ينتهجها الاحتلال الاسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين بتصفيتهم وقتلهم بشكل متعمد دون أن يشكلوا خطرا حقيقيا عليهم، وهو ما يعد بحسب مبادئ القانون الدولي الإنساني وبحسب ميثاق روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية.

وبارتقاء أمير ترتفع حصيلة الشهداء في محافظة قلقيلية، منذ فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر مع بدء الحرب على قطاع غزة إلى سبعة شهداء.

ــــــــــــــ

/ د.ذ

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا