غزة 4-12-2023 وفا- سامي أبو سالم
في إحدى باحات مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، يستلقي المسعف أحمد أبو خضير على سريره محاولا التقاط قليل من الهواء النقي، بعد اصابته قبل أكثر من شهر جراء قصف إسرائيلي استهدف فريقا للدفاع المدني خلال محاولتهم انتشال عائلة فلسطينية من تحت الأنقاض.
لم تميز قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها المعلنة والمستمرة على قطاع غزة بين رجل وامرأة أو طفل أو رجل إسعاف أو دفاع مدني أو موظف يعمل في مؤسسة حقوقية أو إنسانية محلية أو دولية أو إغاثية، فكل شيء في مرمى النار.
يقول أبو خضير لـ "وفا"، إن قوات الاحتلال تستهدف فرق الدفاع المدني والاسعاف بشكل متعمد وبلا أي رادع.
وارتفع عدد الشهداء من طواقم الدفاع المدني إلى 26 شهيدا على الأقل.
واستشهد صباح اليوم (الاثنين) ثلاثة من رجال الدفاع المدني وأصيب عدد آخر جراء قصف في حي التفاح بمدينة غزة وفقا لمصادر محلية، كما أصيب أمس عنصري دفاع مدني في قصف على مخيم المغازي، وسط القطاع.
وأشار أبو خضير، إلى إنه أصيب خلال عمله عندما توجه لمنزل يعود لعائلة الحلو غرب مفرق الشهداء جنوب غزة بعد تعرضه لضربة جوية فانتشلوا ثلاثة شهداء وعدة جرحى ثم تعرض البيت للقصف مرة ثانية وثالثة.
بعد أن وصلنا تعرض البيت لقصف جديد ما أدى إلى إصابتي في الرأس والساق، وأصيب ثلاثة من زملائي أيضا.
"بالعادة ننقذ ما نستطيع إنقاذه، ونفتش في المنازل المجاورة خوفا من أن تكون إحدى الضحايا قد طارت بفعل ضغط الصواريخ، صعدت لسطح أحد البيوت المجاورة أفتش فتعرضنا لصاروخين آخرين".
زحف المسعف أبو خضير، وهو مصاب، ليطمئن على زملائه إلى الطابق الأرضي لكنه تعب فانتظر حتى جاء شبان وحملوه.
وأضاف أبو خضير إن قوات الاحتلال بالعادة لا تعرف خطوطا حمراء في عدوانها، لكن الحرب هذه المرة أكثر عدوانا وضراوة من سابقاتها.
قتلوا 7 من زملائي من قبل، لذا فالخوف وارد لكن هذا عملنا ونحن محميون بإرادة الله وبالقانون الدولي الذي لا تلتزم به إسرائيل.
ومن الفوارق التي يلاحظها قال، إنه يعتقد أن الاحتلال يريد إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المواطنين، فيذكر أن هناك منازل تعرضت للقصف أكثر من مرة.
"يتعرض منزل لقصف ثم يهب المواطنون وفرق الإنقاذ للنجدة فيقع قصف آخر وكل هذا في بيوت آمنة،" ويذكر أمثلة على ذلك عائلة حلاسة جميعهم نساء وأطفال وأطباء، وكذلك منزل آل جودة وعائلة العروقي زهاء 100 مواطن.
وأشار أبو خضير إلى أن الفرق تعمل وفق القانون وأرقام سيارات الإنقاذ والدفاع المدني معروفة لدى الاحتلال ويعرفون أين نتحرك، ما يعني أن إصابة الدفاع المدني والاسعاف يكون غالبا بشكل مقصود.
ومن معيقات العمل قال، إن أهم معيق هو شح معدات الإنقاذ من سيارات وبلدوزرات ومعدات انتشال قطع الخرسانة الضخمة وأجهزة إلكترونية تحدد أماكن الضحايا وأجهزة كثيرة مفقودة يمنع الاحتلال دخولها.
"نحن بشكل فعلي نعمل بالطاقة البشرية فقط، فلا معدات، ولا نقبل مواطنين متطوعين باستثناء رجال الإنقاذ المتقاعدين نقبلهم كمتطوعين."
وقالت وزارة الصحة إن زهاء 7 آلاف مواطن لا يزالون في عداد المفقودين وغالبيتهم تحت الأنقاض ولا تستطيع فرق الإنقاذ انتشالهم أو انقاذهم بسبب شح المعدات.
ومن المواقف القاسية التي يذكرها أبو خضير الذي كان يعمل أحيانا 24 ساعة بشكل متواصل، كان هناك استهداف منتصف الليل قرب محطة غاز في قرية القرارة جنوب القطاع، توجت للمكان ولم اجد ضحايا، ثم سمعت أنينا توجت نحو الصوت وكان الاستهداف لمصنع ألبان، حفرت بين الركام فوجدت ساقين عالقتين حررتهمافكانتا لفتاة اسمها عائشة دلول، 12 عاما، وأخبرته أن عائلتها تحت الركام وعددهم 9 وأن هناك عائلات أخرى بينهم 9 أطفال صغار جدا.
غادر أبو خضير مصنع الألبان وقلبه مليء بالحسرة والحزن والألم لأنه لم يستطع إنقاذهم ولم يستطع أن يفعل لهم شيئا بسبب شح المعدات.
"حتى الآن كلما أذكرها أشعر بالألم والحسرة رغم أنه لم يكن لدي شيء أفعله"، قال متألما.
"من أقسى اللحظات أن تغادر مكانا وانت تعرف أن هناك مواطنين تحت الركام لكنك لا تستطيع أن تفعل لهم شيئا ومنهم أحياء سيموتون لاحقا غالبا."
ولم يخف أبو خضير ان هناك لحظات "فرح وحلاوة وفخر" يمر بها عندما ينقذ شخصا ما من الموت. "أن تخاطر وتنقذ شخصا من الموت فهذا شعور رائع.
وقال ابنه حسين، 32 عاما، الذي يرافقه في المستشفى، إنه والعائلة يشعرون بالقلق على أبيهم بعد سماع كل انفجار أو عند سماع صوت الإسعاف.
"نحن في البيت نخاف عليه طبعا وعند كل غارة نتصل به، فإذا أعطى إشارة أنه مشغول أو رد على الاتصال نطمئن عليه.
ـــــــــ
/ د.ذ