بيت لحم 14-6-2024 وفا- وعد الكار
تفترش الستينية أم سالم الفواغرة الأرض في منطقة السينما وسط بيت لحم، كغيرها من المزارعات اللواتي حضرن باكرا وبحوزتهن الخضراوات والفواكه الموسمية لبيعها للمارة.
تقول أم سالم، إن عملها في الأرض هو أملها الوحيد للعيش حياة كريمة، مؤكدة أن الأرض جعلت منها إمرأة صلبة وقوية، خاصة بعد أن فقدت زوجها قبل عشرين عاما.
ولدى أم سالم أربعة أبناء: بنتان وولدان، حرصت على إكمال تعليمهم الجامعي، و"الأرض كانت لي سندا وعونا في تلك الأوقات العصيبة".
وتضيف أن الظروف اليوم تتشابه رغم أن أبناءها كبروا، والأرض ما زالت هي السند.
وتتابع: "علمت أبنائي حب الأرض، وغرست فيهم التعلق في ترابها، رغم موقعها الخطر"، فتقع أرض أم سالم بملاصقة جدار الفصل والتوسع العنصري في قرية واد رحال جنوب بيت لحم.
وتشير إلى أنه في ظل العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة، فقد ابنها الكبير عمله، والآخر باتت دراسته الجامعية عن بعد، فاضطروا للعمل معها في زراعة الخضراوات الموسمية في أرضهم البالغة مساحتها سبعة دونمات.
لم تخف أم سالم سعادتها بذلك لأنها تراهما أمام عينيها يهتمان بالأرض ويعتنيان بها، ولأنها أيضا أصبحت مديرتهما في عملهما الجديد، تعلمهما مهارات الزراعة وأصولها، رغم الكسب المادي القليل لكنه أفضل من الحاجة للآخرين.
والحال مشابه مع الحاجة السبعينية أم أحمد أبو صوي من قرية إرطاس جنوب بيت لحم، التي تقول: "مع شروق الشمس قطفت ثمار المشمش في أرضي الملاصقة لمستعمرة (أفرات)، وتوجهت للسوق لبيعها".
وأضحت أم أحمد المعيل الوحيد لعائلتها المكونة من ابنها وزوجته وأبنائه الصغار، بعد أن فقد ابنها عمله في أراضي الـ48.
وتضيف أنه "عشية عيد الأضحى باتت الحركة الشرائية في السوق ضعيفة، فمعظم العمال فقدوا أعمالهم خاصة في محافظة بيت لحم، إضافة إلى الرواتب غير المنتظمة والجزئية للموظفين في الوظيفة العمومية".
وفقد حولي 150 ألف عامل في الضفة الغربية عملهم داخل أراضي الـ48، وفقد 144 ألف عامل إضافي وظائفهم بسبب إنخفاض الانتاج والقيود الإسرائيلية المفروضة على وصول العمال إلى أماكن العمل، منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب تقرير للبنك الدولي، كما يتقاضى الموظفين في القطاع الحكومي رواتب منقوصة وغير منتظمة في ظل الأزمة المالية المتفاقمة التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية في ظل الاقتطاعات الإسرائيلية لأموال عائدات الضرائب الفلسطينية "المقاصة" التي تشكّل أكثر من 60% من إيرادات الحكومة، بالإضافة إلى تراجع الدعم الخارجي لخزينة الحكومة.
ووفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية، تقدر خسارة الدخل اليومية بسبب فقدان الوظائف بمبلغ 21.7 مليون دولار يوميًا (يرتفع الرقم إلى 25.5 مليون دولار أميريكي يوميًا عند الأخذ في الاعتبار الانخفاض في دخل موظفي القطاعين العام والخاص).
وتشير أم أحمد إلى أن عملها في الأرض هو المتنفس الوحيد لكسب قوت يومها وعائلتها، مؤكدة أن عملها في الأرض كان لها بمثابة طوق النجاة في هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية.
وتبين أن هناك صعوبات تواجه المرأة الفلسطينية المزارعة، بدءا بصعوبة حصولها على المياه لزراعة الخضراوات الموسمية، بسبب تحكم الاحتلال الإسرائيلي بحصص المياه الجوفية، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى الأراضي وخاصة القريبة من المستعمرات، والشعور بعدم الأمان والخوف من اعتداءات المستعمرين.
بدورها، تقول مديرة دائرة تطوير وادماج النوع الاجتماعي في وزارة الزراعة ختام حمايل، إن للمرأة الريفية الفلسطينية مساهمات كبيرة في تعزيز الاقتصاد الريفي والأمن الغذائي وعلى مستويي الأسر والمجتمعات المحلية.
وتضيف أن أحد أشكال هذه المساهمات تظهر في النسبة المئوية للوقت الذي تقضيه المرأة الريفية في العمل في سلاسل القيمة الزراعية، وهو ما يقرب من 87% من إجمالي العملية الزراعية في القطاع الحيواني، و54% في القطاع النباتي، كما أن نسبة عمالة النساء في القطاع الزراعي حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 2021 هي 7.7%.
وتبين حمايل أن ما يقرب من 90% من النساء الفلسطينيات في الاقتصاد غير الرسمي يعملن في الزراعة، وأن النساء الريفيات يشكّلن 30% من قوة المرأة الفلسطينية العاملة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
وتوضح أنه في ظل الأوضاع الراهنة زاد العبء على الفلسطينيات في توفير الغذاء لعائلاتهن، حيث تراجعت نسب الأمن الغذائي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وعدم الاستقرار، وإغلاق العديد من المشاريع النسوية.
وتشير إلى أن نسبة النساء العاملات في الزراعة كربات عمل لم تتجاوز 0.3%، مقابل 6.6% للذكور، في حين بلغت نسبهن ممن يعملن ضمن العمل الأسري غير مدفوع الأجر حوالي 76.3%، مقابل 11.4% للذكور، وأن 84% من النساء الفلسطينيات لا يملكن أي نوع من الأراضي، إضافة إلى تنفيذ ما لا يقل عن 65% الأعمال الزراعية في مختلف سلاسل القيمة الزراعية، بينما تنتج المرأة وتوفر حوالي 70% من الأغذية العضوية الصحية لعائلاتهن.
وتتابع أن من التحديات التي تواجه المزارعات الفلسطينيات: الصعوبة في الحصول على المعلومات الإرشادية والمعدات الزراعية، وقلة الخبرة في تعبئة وتسويق منتجاتهن، وضعف حصتهن السوقية، وصعوبة وصولهن للموارد الطبيعية، إضافة للتحديات التي يواجهها قطاع الزراعة بشكل عام في فلسطين وهي تقلص المساحات الزراعية بسبب التوسع الاستعماري، ووجود أكثر من 60% من الأراضي الزراعية تصنف ضمن المناطق المسماة "ج"، والتي تعاني من تضييقات الاحتلال.
وتبين أن وزارة الزراعة تعمل على عدة إجراءات منذ سنوات لتعزيز دور المرأة المزارعة من خلال عقد جلسات توعوية قانونية وإرشادية لفئتي النساء والشباب، ودعم المشاريع النسوية، ورفع النسب المخصصة للنساء في استصلاح الأراضي.
ــــــــ
و.ك/ م.ع