أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 11/07/2024 06:23 م

تسارع الاستيلاء على الأراضي يهدد ما تبقى من الأغوار

سهل عاطوف في الأغوار الشمالية (تصوير: سليمان أبو سرور/وفا)
سهل عاطوف في الأغوار الشمالية (تصوير: سليمان أبو سرور/وفا)


الأغوار 11-7-2024 وفا- إسراء غوراني

نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاستيلاء على ما يزيد عن 12 ألف دونم من الأراضي الواقعة على شفا الأغوار تحت ذريعة "أراضي الدولة"، في عملية استيلاء وصفها مختصون بأنها الأكبر في المنطقة منذ ثلاثة عقود.

وتأتي عملية الاستيلاء هذه، والتي تستهدف تحديدا أراضي تابعة لقرية عقربا بالإضافة إلى العديد من القرى المطلة على الأغوار، في ظل تسارع وتلاحق الأوامر الإسرائيلية خلال الأشهر القليلة الماضية بالاستيلاء على آلاف الدونمات في مناطق الأغوار ومحيطها تحت ذرائع مختلفة ومن أبرزها "المحميات الطبيعية" و"أراضي الدولة"، كما تتزامن مع تهديدات الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش بتصعيد الاستيطان بالضفة.

ويرى محللون أن الاحتلال من وراء هذه الأوامر الأخيرة يضع اللمسات النهائية فيما يتعلق بمشروع "ضم الأغوار" وفرض سيادة إسرائيلية كاملة عليها.

*أرقام قياسية

في هذا السياق، يوضح مدير عام التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داود، أن سلطات الاحتلال منذ مطلع العام الحالي ذهبت للحدود القصوى في كل إجراءاتها الرامية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مناطق الأغوار ومحيطها، وهي بذلك تسجّل أرقاما قياسية، فمنذ مطلع 2024 تم الاستيلاء على حوالي 24 ألف دونم تحت مسمى "أراضي الدولة"، فيما بلغ مجمل ما تم الاستيلاء عليه تحت المسميات المختلفة 39 ألف دونم منذ بداية العام.

ويؤكد في حديثه لـ"وفا": أن الاحتلال يرمي من وراء كافة أوامر الاستيلاء الأخيرة إلى حصر الوجود الفلسطيني في أراضي الضفة وتثبيت وحصر الجغرافيا الفلسطينية فيها، من أجل إعدام أية فرصة لقيام دولة فلسطينية في المستقبل.

ويلاحظ أن الاحتلال يستهدف في الغالبية العظمى من عمليات الاستيلاء الأخيرة مناطق الأغوار، والتي تشكّل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى مناطق شفا الأغوار وهي المناطق المطلة عليها، ويعمل من خلال ذلك على تسريع تنفيذ مخططات قديمة تهدف إلى ضم الأغوار وإحكام السيطرة عليها.

تعقيبا على ذلك، يشير داود إلى أن استهداف هذه المناطق بشكل متصاعد في أوامر الاستيلاء ينطوي على مخاطر كبيرة، فإحكام قبضة الاحتلال على مناطق الأغوار ومحيطها يعني حصر ومنع التمدد الفلسطيني في منطقة وسط الضفة إلى الشرق، وبالتالي عزل وسط الضفة عن شرقها، وهو ما يمهد لعملية الاستيلاء بشكل كامل على الأغوار ومقدراتها.

ويؤكد أن مناطق الأغوار، تعتبر الأكثر تعرضا للاستهداف من الاحتلال بأعمال الاستيلاء، فأكثر من 85% من منطقة الأغوار تم الاستيلاء عليها على مدار عقود تحت مسميات مختلفة، وفضلا عن ذلك شرع الاحتلال بتنفيذ العديد من عمليات التهجير القسري في هذه المناطق، والتضييق على المواطنين في التجمعات السكانية التي ما زالت متواجدة في المنطقة من خلال فرض بيئة قهرية طاردة، إلى جانب الإجراءات العسكرية التي فرضتها سلطات الاحتلال على المنطقة.

ويشير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) في تقرير له تحت عنوان (مجريات السلب) إلى أن "إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت وتستغل هذه المساحة لاحتياجاتها هي. إنّها تمنعهم من المكوث في تلك الأراضي والبناء فيها ورعي أغنامهم وفلاحة أراضيهم الزراعية...".

ويوضح "بتسيلم" بأن إسرائيل أعلنت منذ العام 1967، وبعد أشهر قليلة من بدء الاحتلال، جميع الأراضي التي كانت مسجّلة أراضي دولة في العهد الأردني (وتشكّل نسبة 53% من مجمل مساحة منطقة الأغوار وشمال البحر الميت) كـ"مساحات مغلقة". إضافة إلى هذا التصنيف أعلن جيش الاحتلال في نهاية الستينيّات وبداية السبعينيّات 45.7% من أراضي الغور كـ"مناطق إطلاق نار" ومنع الفلسطينيين من دخولها أو المكوث فيها. كذلك أعلنت إسرائيل نحو 20% من أراضي الغور كـ"محميّات طبيعيّة" و"حدائق وطنيّة" وخصّصت أراضي أخرى للمستعمرات التي أقيمت في الأغوار بعد الاحتلال بوقت قصير (بعض هذه الأراضي يقع تحت أكثر من تصنيف واحد من التصنيفات أعلاه)".

وحول طبيعة الأراضي التي تم إعلان الاستيلاء عليها مؤخرا، ينوه داود إلى أن الاحتلال كان يمنع المواطنين من الوصول إليها منذ سنوات طويلة، وجزء من هذه المنطقة كان مخصصا للتدريبات العسكرية، وهو أمر عسكري مؤقت يمنع على المواطنين الوصول إلى هذه المنطقة، وبالتالي ما فعلته سلطات الاحتلال في إعلانها الأخير أنها أزاحت البعد المؤقت من الأوامر السابقة، واستولت على الأراضي تحت مسميات دائمة، ومن هذه المسميات "أراضي الدولة" و"المحميات الطبيعية".

*محاصرة الوجود الفلسطيني

وفيما يتعلق بمصير الأراضي المستولى عليها خلال الأشهر الأخيرة، يؤكد داود أن الاحتلال سيعمل على تحويلها لصالح التوسع الاستعماري، حيث تتدرج سلطات الاحتلال عادة في عدة خطوات بما يسهل منح الأراضي الفلسطينية للمستعمرين، ففي البداية يتم منع الدخول إلى الأراضي أحيانا عبر أوامر عسكرية مؤقتة، يتبعها الاستيلاء الدائم على هذه الأراضي من خلال إعلانها "محميات طبيعية" أو "أراضي دولة"، ولاحقا تمنح للمستعمرين ويتم توسيع المستعمرات وبناء الطرق الاستعمارية عليها.

وما يعزّز التخوفات باحتمالية تحويل الأراضي المستولى عليها مؤخرا باعتبارها أراضي دولة لصالح المستعمرات، يشير داود إلى أنه على مقربة من هذه الأراضي توجد مستعمرة "يافيت"، المقامة منذ الثمانينات وفق قرار عسكري، وهذا محظور حسب "القانون الإسرائيلي"، وبالتالي من الواضح أن الاحتلال من خلال الإجراءات الأخيرة يسعى إلى "تصويب وضعها" و"شرعنتها".

ويضيف أن الأمر ذاته ينطبق على آلاف الدونمات التي تم الاستيلاء عليها خلال الأشهر الأخيرة بذريعة المحميات الطبيعية، فهذه أيضا يعمل الاحتلال على تحويلها لخدمة المشروع الاستعماري، وخاصة أن هناك العديد من الشواهد والأمثلة التي تؤكد ذلك من خلال تحويل محميات طبيعية إلى مستعمرات، ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث في جبل أبو غنيم بالقدس والذي كان "محمية طبيعية" منذ زمن الانتداب البريطاني، وخلال السبعينات استولت عليه سلطات الاحتلال تحت بند المحميات الطبيعية، ثم في منتصف التسعينات أقيمت عليه مستعمرة "هار حوماه" وهي من كبريات المستعمرات التي تقضم أراضي القدس.

وحول المخططات التي تسارع سلطات الاحتلال في تنفيذها مؤخرا عبر عمليات الاستيلاء، يوضح أن سلطات الاحتلال تعمل على فرض منظومة "الكنتونات"، من خلال محاصرة الوجود الفلسطيني في الضفة، وخلق قرى وتجمعات منعزلة عن بعضها البعض وغير مترابطة جغرافيا من خلال محاصرتها بالشوارع الالتفافية والمستعمرات، مؤكدا أن الضفة الغربية اليوم تعيش في ذروة التهديدات الرامية لسيطرة المشروع الاستعماري على الأرض الفلسطينية، علما أن هذه التهديدات بدأت منذ عقود ولكن العمل على تنفيذها وإتمامها يجري بشكل حثيث منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة الأخيرة مطلع العام 2023.

ويضيف بأن سلطات الاحتلال تعمل على خلق واقع جديد في الضفة لا يمكن التراجع عنه، من خلال عمليات الاستيلاء الأخيرة، وإضفاء صفات تبدو "قانونية" عليها، وشرعنة كل هذه الأوامر والمخططات من خلال "الكنيست".

*مشاريع استعمارية كبرى

بدوره، يربط الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي كل ما يجري من عمليات استيلاء متسارعة مؤخرا على الأراضي في الأغوار ومحيطها بمشاريع ومخططات استعمارية كبرى تم طرحها قبل عقود ومن أبرزها "مخطط آلون"، وهو مخطط طرحه رئيس وزراء الاحتلال يغال آلون مباشرة بعد انتهاء حرب حزيران عام 1967، ويستهدف منطقة غور الأردن والسفوح الشرقية للضفة الغربية بالاستيلاء الكامل عليها وضمها.

كما جاء في دراسة سابقة أعدها الباحث فراس حنني لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني التابع لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا): "منطقة الأغوار كانت هدفا للاحتلال والاستعمار منذ 1967، فقد زرع فيها مجموعة كبيرة من المستعمرات ومعسكرات التدريب، وهذا يندرج تحت سياسة ممنهجة ترمي إلى إفراغ هذه المنطقة من سكانها استكمالا لمخطط ضم الأغوار، والعمل على تهويد هذه المنطقة من خلال سلسلة من المشاريع الاستعمارية التي بدأت منذ احتلال الضفة عام 1967، إذ تبلور إجماع لدى قادة دولة الاحتلال بضم القدس والأغوار، وخاصة ما عرف بمشروع "آلون" الذي بدأت إسرائيل بتنفيذه أواخر الستينات عبر بناء مجموعة كبيرة من المستعمرات على طول نهر الأردن، وصلت حتى نهاية عام 2018 إلى 36 مستعمرة، يعيش فيها أكثر من 7500 مستعمر".

ويؤكد موقدي في حديثه لـ"وفا" أن عمليات الاستيلاء الأخيرة وفرض الوقائع الجديدة على الأرض لا يهدد منطقة الأغوار ومحيطها فقط، وإنما يطال جميع الأراضي المصنفة "ج" وفقا لاتفاقية أوسلو.

وحول خطورة التوقيت الحالي الذي تتسارع فيه هذه الأعمال، يوضح أن الاحتلال حاليا يتم المراحل الأخيرة من مشروع خطير في الأغوار ومحيطها، وهناك عدة إجراءات اتبعت خلال الأشهر الأخيرة بشكل متسارع في هذا السياق بالتكامل بين المستعمرين وسلطات الاحتلال، فقبل أشهر  ومع أواخر العام المنصرم 2023 وثقت المؤسسات الرسمية الفلسطينية تهجير 25 تجمعا سكانيا بدويا من شفا الأغوار والسفوح الشرقية للضفة تحت تهديد وعربدة المستعمرين، ثم تبعتها أوامر متلاحقة من سلطات الاحتلال بالاستيلاء على آلاف الدونمات بذرائع مختلفة، تمهيدا لتوسيع الاستعمار فيها وإنهاء الوجود الفلسطيني.

ويتوقّع موقدي أن يتبع ذلك العديد من عمليات الاستيلاء الأخرى تحت نفس الذرائع، ومن ثم تهجير ما تبقى من تجمعات سكانية في الأغوار، أو تحويلها إلى تجمعات منعزلة غير معترف بها على غرار العديد من التجمعات في النقب داخل أراضي الـ48، وبالتالي تبرير كل ما سيتبع ذلك من عمليات تهجير وانتهاكات بحقها.

ويؤكد أن استهداف الوجود الفلسطيني في المنطقة بدأ منذ سنوات طويلة، عبر حرمان التجمعات السكانية من مقومات بقائها، وهي الأراضي الرعوية ومصادر المياه كون هذه التجمعات تعتمد على تربية الثروة الحيوانية، وعلى مدار السنوات الماضية عملت سلطات الاحتلال بالتعاون مع المستعمرين على إحكام السيطرة على ما تبقى من أراضٍ رعوية ومصادر مياه، وهي الآن بقبضة المستعمرين بشكل أو بآخر.

وينوه موقدي إلى أن العامين الماضيين شهدا نسبة زيادة  تقدّر بـ 80% فيما يتعلق بالتوسع الاستعماري في المنطقة مقارنة بالأعوام السابقة، كما أن مستعمرات الضفة كافة تشهد توسعة كبيرة فيما يتعلق بالبناء، فيما تشهد نقلة نوعية من حيث المساحة وإقامة مناطق حيوية تضمن مستقبلا استمرار التطور الاستعماري.

ـــــ

ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا