أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 27/09/2020 12:00 م

إعادة إحياء المناطير الزراعية.. مبادرة لحماية الأرض

 

سلفيت 27-9-2020 وفا- علا موقدي

تشكل "المناطير" الزراعية واحدة من أنماط العمارة التقليدية الملهمة في الريف الفلسطيني، والتي بناها الفلاح الفلسطيني قبل مئات الأعوام لحراسة الأرض وجني الثمار، خاصة في مواسم العنب والتين، والتي باتت اليوم مهددة بالاندثار.

تُعرف المناطير باسم "القصور الحجرية" وكانت تبنى عادة في مناطق مرتفعة من الحجارة الطبيعية التي يتم جمعها من الحقول أثناء عملية تنظيف الأرض، على شكل دائري أو مربع، ويمكن تقسيمها إلى نمط الغرفة الواحدة أو نمط الغرف المتعددة.

في مبادرة خاصة بالمشاريع الزراعية، والتي حصلت على واحدة من أفضل ست مبادرات، ضمن مبادرة "عالأرض" التي أطلقها رجل الأعمال بشار المصري، ركّز فريق "إعادة إحياء المناطير الزراعية"، من محافظة سلفيت، على بناء مناطير في المناطق المهددة بالمصادرة والسرقة من المستوطنين، وذلك لتشجيع المزارعين على استصلاح الأراضي وحمايتها من خطر الاستيطان.

ممثلة الفريق نصرة عزريل قالت لـ"وفا": إن الفكرة جاءت كون طبيعة محافظة سلفيت ريفية، وانتشرت فيها القصور الزراعية قديما بكثرة، وكونها مستهدفة من قبل المستوطنين ومحاصرة بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري فأرضها بحاجة إلى حماية وحراسة دائمة.

وعن المبادرة بينت عزريل، أنه سيتم تطوير التصميم الداخلي "للمناطير" بحيث تضم حماما ومخزنا صغيرا على ألا تتجاوز 25 مترا مربعا، وسيتم بناؤها بأكثر من نمط، وسيتم توفير خلية شمسية في الموقع لتوفير الطاقة، وتوفير بئر جمع مياه الأمطار، وسيتم تهذيب الواجهات الداخلية للقصور لحماية السكان من الحشرات، وسنعمل على بناء السلاسل الحجرية والحراثة واستصلاح الأراضي، ونطور هذه التجربة ونستفيد منها لتعميمها في كل فلسطين.

وأضافت: نحن بحاجة حقيقية في المحافظة لمثل هذه "المناطير" كونها تعزز من تواجد المزارع الفلسطيني في المواقع المهددة بالمصادرة، وتساعده على التواجد المستمر في أرضه، لا سيما الهجمات المستمرة من قبل المستوطنين والمتمثلة في اقتلاع الأشجار والرعي الجائر وتعرض المزارعين للاعتداءات بشكل مباشر، الأمر الذي يؤثر سلبياً على الوضع الزراعي والاقتصادي.

وذكرت عزريل أن هذه "المناطير تفسح المجال  للمزارع للتواجد الدائم في ارضه وتكون مكان آمن لتخبئة المعدات الزراعية وللراحة خلال فترة النهار، وتعيد احياء نمط العمارة التقليدية في فلسطين للقرى، باعتبارها أحد مكونات الحضارة والتراث الفلسطينيين.

وأكملت، ان دخول المزارعين إلى اراضيهم الواقعة خلف الجدار أمر مرهق، لذلك اقترحنا أن تكون هذه المناطير كمناطق استراحة لهم في المناطق المحاذية للجدار لحظة الدخول والخروج. وعليه، سيتم تنفيذ المبادرة والبناء في المناطق القريبة من الجدار والمصنفة  كمناطق "ج".

"قناعتنا أن هذه الأراضي ملكنا حتى لو تعرضنا للمضايقات وسنعمل جاهدين على دعم تراث هذه المحافظة، واعادة احياء التقاليد الزراعية الفلسطينية مثل: التعزيب والمعونة وفكرة القصور الزراعية التي بنيت بطرق صديقة للبيئة وغير مكلفة، وترسيخها في اذهان الجيل الشاب لتعزيز ارتباطهم بالأرض وتعزيز ثقافة العمل التطوعي والجماعي" قالت عزريل.

أستاذ العمارة بجامعة بيرزيت شادي غضبان قال لـ"وفا"، إن المناطير الزراعية بدأت مع انتشار الزراعة في الحياة الانسانية، وانتشرت في فلسطين ما بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، ومع بدء النمو الحضاري في المدن وتأثر الزراعة بدأت تقل، الا أنه ما زال قسم كبير موجودا منها حتى الآن.

وأضاف: تشير بعض الكتب أنه في فلسطين التاريخية ما يزيد عن 5700 منطار، وهذا يدل على أنها كانت جزءا اساسيا في حياة المزارع الفلسطيني في ذلك الوقت نظرا لصعوبة المواصلات والحاجة إلى التعزيب في المواسم المختلفة.

ونوّه إلى أن المناطير كانت مهيأة بدرجة بسيطة لتلبية احتياجات الأسرة، وأماكن اختيارها كانت بالدرجة الاولى تعتمد على أن تكون مشرفة على قسم كبير من الأرض لحمايتها، وبعضها محاط بمعاصر العنب والزيتون.

وأشار غضبان أن فلسطين التاريخية مغطاة بالحجارة بنسبة 50%، والاعتقاد السائد أن المزارع الفلسطيني في البداية كان عند تنظيف الأرض يضع الحجارة على شكل "كوم" حتى تصبح منطقة عالية وذات اطلاله يصعد عليها لمراقبة أرضه، ثم أصبح يضع عليها خيمة، ثم بدأ باستخدام المواد وبنايتها بشكل متماسك وفراغات كالغرف ومن هنا جاء بفكرة المناطير.

وبحسب كتاب مناطير: قصور المزارع في ريف فلسطين لـ سعاد العامري و فراس رحال، فإن الاقتصاد الفلسطيني اتسم في نهاية الانتداب البريطانية بأنه اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى، حيث اعتمد ثلثا السكان في معيشتهم بشكل مباشر على الزراعة، لذلك استعملت العمائر الزراعية كـ بيوتاً صيفية للعائلات، خلال مواسم التين والعنب والتوب والرمان والصبر بعيداً عن اجواء القرية أو المدينة، فاستخدمت هذه القصور للمبيت وحراسة الكروم والبساتين من السرقة والحيوانات والطيور، وحل مشكلة كثرة التنقل يومياً واستغلال فترة الصباح، و تجميع وتخزين المحصول في مكان واحد آمن، وتجفيف بعض المنتجات الزراعية على ظهر القصر.

وعن طريقة البناء، يبين الكتاب أنه يتم اختيار منطقة صخرية لبناء القصر عليها، وذلك للحصول على أرضية صلبة، وللمحافظة على الأراضي الزراعية، وفي حالات كثيرة، يتم بناء القصر بشكل متداخل مع الصخور الطبيعية، وذلك من أجل استخدام أقل قدر ممكن من الحجارة، ولاستغلال الفروقات في المستويات الطبيعية، وبالتالي بذل أقل جهد في عملية البناء.

وتُعد أكثر الطرق شيوعاً للبناء، تبدأ بتسوية الأرض وتنظيفها، وتحديد حيز القصر بشكل كامل، ثم يُحدد الأساس بحجارة كبيرة. وبعد ذلك تتم تسوية الأساس مع الأرض، اذ يتم بناء مداميك من حجارة الروس، وكل مدماك يتكون من صفين من الحجارة، بينهما الركة الداخلية من حجارة الصرار والقرط، ويسمى صف الحجارة الواحد بـ"البتة", أي ان الجدار الخارجي يتكون من بتتين وركة. ويبدأ عادة بشكل دائري بقطر أربعة أمتار تقريباً عند القاعدة ويضيق الجدار كلما اتجهنا للأعلى على شكل دائري مائل للداخل، ويؤسس بين البتتين درج داخلي، يُبنى من الحجارة المتينة. وغالباً ما يُعمل للدرج طاقات صغيرة في الحائط الخارجي من أجل الإنارة والتهوية، وتُحيط بالجدار الخارجي من أسفل على ارتفاع متر ونصف دعامة تسمى الجدلة، يؤسس فيها الدرج. ويُغطى سطح القصر بعريش من اغصان الشجر.

 

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا