تونس 28-5-2023 وفا- يشير المزارع صابر الزواني إلى بعض الأعشاب في حقله، ويقول إنها ليست طفيلية، بل هي جزء من تقنيات الزراعة الدائمة التي يعتمدها، وقد بدأت تنتشر في تونس حيث التحديات المناخية كبيرة.
منذ عامين، عاد الزواني لزراعة أرض العائلة الواقعة وسط غابة في منطقة كاب نيغرو على بعد حوالي 150 كيلومترا من العاصمة التونسية باتجاه الشمال الغربي.
يتملّك هذا المزارع العاطل عن العمل سابقًا والبالغ من العمر 37 عاماً، هاجس المحافظة بشكل دائم على رطوبة التربة، رغم حرارة الطقس.
لكن، يبدو هذا الهدف بعيد المنال بالنظر خصوصًا إلى تداعيات التغيّر المناخي في البلاد التي ساهمت في تسجيل جفاف غير مسبوق، خصوصًا خلال الربيع الفائت.
ففي كل مرة يجمع محصول البصل أو الفجل يقطع أوراقه وجذوره ويغطي بها التربة، كي يقلّل من تبخر المياه من الأرض ويزيد خصوبتها في ذات الوقت.
يقوم مفهوم الزراعة الدائمة أو المعمرة، الذي وضعه اثنان من علماء البيئة الأستراليين في سبعينيات القرن الماضي، على أساس أن كل العناصر الطبيعية مترابطة وتكمل بعضها البعض.
زرع الزواني الخضراوات قرب حوض صغير صنعه بنفسه لجمع مياه الأمطار، وترعى بقربه ماشيته من ماعز وأبقار وأغنام، التي يستخدم روثها كسماد عضوي لتقوية محاصيله.
يقول الزواني "نحتاج إلى إنشاء تربة حيّة لجذب ديدان الأرض والفطريات وجميع العناصر الغذائية لنباتاتنا وأشجارنا".
ويحرص على ري خضراواته بالحد الأدنى من المياه، ولا يستخدم إلا بذوراً من إنتاج محاصيله الخاصة وطاردات الحشرات الطبيعية.
بفضل هذه التقنية المبتكرة، انخفض استهلاكه من المياه إلى النصف.
العودة إلى الجذور
يؤكد الزواني أن الزراعة الدائمة تشكل "العودة إلى جذورنا، إلى الأساليب التقليدية التي كان يستخدمها أجدادنا"، مشيراً بيده إلى قطعة أرض غير محروثة تنتشر فيها أكوام من السماد العضوي والتربة الخصبة وأوراق أشجار جافة جلبها من الغابة المجاورة.
يكسب هذا المزارع 300 دينار (حوالي 100 يورو) شهريًا، لكنه يحقق الاكتفاء الذاتي من الطعام له ولعائلته المكونة من والديه المتقاعدين وشقيقه.
ويعتزم في غضون عامين أو ثلاثة تحصيل "دخل محترم" بفضل "خطة العمل" الخاصة به والتي ستحوّل أيضًا مزرعتهم البالغة مساحتها ثلاثة هكتارات وأطلق عليها اسم "أم هنية"، إلى بيت ضيافة ومركز تدريب على الزراعة الدائمة.
تخرج الزواني من معهد التكنولوجيا الحيوية، وعلى غرار الكثير من الشباب التونسي، عجز عن إيجاد عمل في مجال اختصاصه، فقرّر الخضوع لتدريب في مجال آخر بعدما فقد وظيفته كنادل بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19.
وجد ضالته في "الجمعية التونسية للزراعة المستدامة" التي درّبته دون مقابل وموّلته جزئياً، ليتمكن من شراء المعدات الأساسية لمشروعه.
والزواني هو أحد المستفيدين من مشروع "ازرع أرضك" لإنشاء 50 مزرعة صغيرة في تونس في غضون خمس سنوات، منها 30 مزرعة دخلت مرحلة الإنتاج.
تقول رئيسة الجمعية ريم المثلوثي، إن الهدف من ذلك هو "الحصول على مئات الهكتارات وأن نثبت للسلطات والمزارعين الآخرين أن الزراعة المستدامة هي نظام زراعي مربح وفعّال، ويعيد التنوع البيولوجي، بدل إنهاك الأرض بعمليات الحرث والمواد الكيميائية".
توعية
تموّل صناديق سويسرية خصوصًا، البرنامج الذي يشمل جميع المناطق في تونس حتى تلك ذات المناخ الصعب، بهدف دعم التنمية المحلية من خلال تشجيع عودة الشباب إلى استغلال الأراضي الزراعية التي هجرتها أسرهم.
كذلك، تأمل الجمعية المساهمة في "تغيير النموذج التونسي حيث يخسر المزارع المال، لأنه ينفق باستمرار فيما العائدات ضئيلة للغاية، من خلال شراء البذور والأسمدة والمبيدات"، بحسب المثلوثي.
ويركز نظام الزراعة في تونس على إنتاج القمح والشعير والمحاصيل الأخرى التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، مقابل انخفاض نصيب الفرد من المياه في البلاد.
وتبين المثلوثي أن "الأزمات مثل الإجهاد المائي أو الحرب في أوكرانيا، التي تزيد من تكلفة الإنتاج، هي فرص لتعزيز الحلول مثل الزراعة البيئية والزراعة المستدامة".
نظمت الجمعية أسواقاً "من المنتج إلى المستهلك" لتقريب المنتجين من المستهلكين عبر عرض منتوجات بأسعار مناسبة.
يتجول أولياء أمور الأطفال وسط ساحة المدرسة الفرنسية في محافظة بنزرت (شمال) ويكتشفون بفضول مجموعة من منتوجات العسل والأعشاب العطرية الجبلية والخضراوات.
يعدّ سالم (44 عاماً) الطعام مع أطفاله الثلاثة بما يشتريه كل أسبوع من هذه السوق، ويقول "هذه منتجات صحية، من المهم أن تعرف ما تأكله. هنا يشرحون لي ما سأفعله وما يجب أن أضعه في الطبق لأتناوله".
تؤكد المدرّسة ميساء حداد (49 عامًا) أنها فخورة بالمشاركة في تعليم الأطفال الزراعة الدائمة حتى يدركوا أن "هذه الطريقة مفيدة لكوكبنا وأسلوب حياتنا".