أهم الاخبار
الرئيسية من العالم
تاريخ النشر: 12/06/2023 03:08 م

موسيقى شعبية تونسية على إيقاع "الهيب هوب"

تونس 12-6-2023 وفا- تصدح أنغام آلة "المِزْوٍدْ" الموسيقية التونسية التقليدية من ورشة خصصت لصناعتها في شمال العاصمة.

الورشة يديرها الخمسيني خالد بن خميس الساعي الذي يسعى إلى تطويعها لتنسجم مع إيقاعات موسيقى "الراب" و"الجاز".

المزود آلة نفخ تصنع من جلد الماعز وتخاط بالكامل على شاكلة قربة مغلقة تحتوي على ثقبين من الأعلى لنفخ الهواء بالفم عبر قصبتين، وتخرج من أسفلها قصبتان أخريان بخمسة ثقوب، وقرنان يشكلان المزمار الذي تُعزف منه النغمات. ويصوغ "المزاودي" (عازف الآلة) ما يريد من الألحان بأصابعه المتنقلة بين الثقوب بينما يضغط بذراعيه على الكيس المليء بالهواء وينفخ بفمه في الآلة.

يقول الساعي وهو حرفي أمضى ثلاثين عاما في هذه الصناعة "يجب أن تكون كل مكونات الآلة وأجزائها من قرون البقر والجلد الطبيعي لتكون هناك روح وتخرج النغمة حنينة وأصيلة".

ويشير إلى تشابه هذه الآلة إلى حد بعيد مع "المزود (القربة) الاسكتلندي مع بعض الفوارق في الحجم وعدد المزامير"، لكنه يشدد على أن "المزود تغيّر كثيرا مقارنة بما كان عليه".

ظهرت هذه الآلة في تونس مطلع القرن العشرين، وترتبط  بأغنيات عادة ما تثير جوّا ورقصا شعبيا، وتتغنى كلماتها بمواضيع جريئة ارتبطت بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والهجرة والعنصرية في البلد، وهي من "المحرّمات" ولا تروق للسلطة ولا لغالبية العائلات التونسية المحافظة وخصوصا أن استهلاك الخمر يكثر خلال الحفلة. وتبعا لذلك حظرتها السلطة في الحفلات التي تستضيفها القنوات الاعلاميةالرسمية إلى حدود التسعينيات.

يُعزف على المزود غالبا في حفلات أعراس داخل الأحياء الشعبية الفقيرة والمهمشة، وتستعمل هذه الآلة في أغنيات تحتوي أحيانا على كلمات تُعتبر غير لائقة داخل الأسر.

لكنّ فنانين شعبيين على غرار الهادي حبوبة ونور الدين الكحلاوي سعوا إلى محاولة تغيير "الصورة السيئة" التي التصقت بهذه الموسيقى ونجحوا في جعلها مقبولة أكثر لدى عامة التونسيين ولدى السلطة.

ويؤكد نور الدين الكحلاوي وهو مغنّ وفنان شعبي محترف مند 37 عاما "تحملنا الانتقادات الشديدة للناس وعملنا بخطوات على تطوير هذا التراث الشعبي على مستوى الألحان والكلمات والعروض حتى أصبحنا نسافر بها إلى الخارج لتقديم الحفلات" بعد أن تغيرت مواضيع الأغنيات لتحتفي بقصص الغرام والحب والروابط الأسرية أساسا.

وظهر خلال السنوات الأخيرة جيل جديد من الموسيقيين الشبان الذي جهدوا في تطويع النغمات الحادّ للآلة لتظهر في شكل جديد وترافق ايقاعات عصرية مثل "الراب" و"الجاز" وتواكب تطور العصر الرقمي.

ونال منتصر الجبالي (32 عاما) دبلوماً في الموسيقى العربية في اختصاص آلة الناي من المعهد العالي للموسيقى في تونس، لكنه يعزف حاليا على المزود ضمن فرق موسيقية شابة متخصصة في "الهيب هوب".

ويقول الموسيقي الشاب "هذه الآلة لا تدرس في معاهد الموسيقى، لكني وظفت معارفي في فهم المزود... وبذلك تمكنا من مزجه مع أنواع موسيقية أخرى لأننا أدركنا جيّدا مواطن القوة والضعف في الآلة".

ويتابع "نريد أن نذهب إلى العالم بموسيقانا من خلال دمج هذا النغم مع أنواع موسيقية من أنحاء العالم لكي نغيّر الأفكار... ونثبت موقعه بين بقية الآلات الموسيقية".

تلقى الحفلات التي يقدمها منتصر وغيره من الفنانين إقبالا لافتا من الشباب الباحث عن التجديد وعن إيقاعات تواكب العصر ويتابعها وينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول الكحلاوي العصامي التكوين "أنا من المناضلين والمؤسسين لموسيقى المزود منذ زمن بعيد، وعندما أرى محاولات الجيل الجديد الباحث عن التطوير أتمنى لهم كل النجاح لتكون بطاقة هوية تونسية في الخارج".

بدوره، يرى أستاذ الموسيقى بالجامعة التونسية والباحث الأكاديمي رشيد الشريف أن "الخطاب الموسيقي الأصيل يعزّز فكرة الانتماء إلى وطن أو عرق أو ثقافة".

ويضيف أن "تمازج مختلف الأجناس الموسيقية ومنها المزود وألحان الأنواع الموسيقية العالمية" يمثّل "عاملا مهما في أن تصل إلى جمهور أوسع"، معتبرا أن المزود أدى عبر المضامين التي تطرق إليها "دورا أساسيا" في "تشكيل ذاكرة موسيقية جماعية" للتونسيين


مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا