غزة 8-5-2025 وفا- بحسرة وألم، تنظر المواطنة ناجية النجار إلى طفلها "يوسف" الذي لم يتجاوز شهره الرابع لكنه لا يزن أكثر من 1.5 كيلو غرام، أي نحو ربع الوزن الطبيعي لمن هم في عمره، وذلك جراء إصابته بسوء التغذية الناجمة عن التجويع الإسرائيلي المتعمد للمواطنين في قطاع غزة.
تفاصيل عظام صدره الدقيقة تظهر كلما حاول يوسف البكاء، فيما تتحرك أطرافه الهزيلة بـبطء كأنها عاجزة عن حمل جسده الذي يعاني من نحول شديد.
ويجسد الطفل النجار حالة واحدة فقط من جريمة مركبة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أطفال غزة، إذ حُرم أولا من حقه في التغذية الطبيعية بسبب تجويع والدته "المُرضعة" التي تعاني كغيرها من 2.4 مليون فلسطيني في القطاع من نقص حاد في الغذاء والمياه والمقومات الأساسية.
كما أصيب الرضيع ثانيا بسوء تغذية حاد أدى إلى تقيؤ متكرر وظهور مؤشرات لمضاعفات صحية أخرى، في ظل غياب الرعاية الصحية المناسبة بعدما تعرض النظام الصحي بغزة لتدمير ممنهج، وفق ما أكدته تقارير حقوقية وأممية.
وعلى الرغم من حاجة "يوسف" الماسة إلى الحليب العلاجي والمكملات الغذائية فإن إغلاق الاحتلال لمعابر القطاع والمتواصل منذ أكثر من شهرين منع دخول تلك المواد الحيوية لغزة ما يتسبب بمفاقمة وضعه الصحي.
كما يحرم إغلاق الاحتلال التام للمعابر منذ أيار/ مايو 2024 الطفل النجار من فرصة السفر للعلاج في الخارج بعدما تدهورت حالته الصحية نتيجة سياسة التجويع والحصار المفروضة على القطاع.
وتكاد تكون مشاهد الأطفال داخل المستشفيات وهم يعانون من مضاعفات سوء التغذية شبه متكررة مع تواصل التجويع الإسرائيلي لهم في وقت وثقت فيه المؤسسات الطبية والأممية وفاة 57 طفلًا نتيجة سوء التغذية ومضاعفاتها الصحية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات حقوقية ومسؤولون أمميون من مخاطر المجاعة وسوء التغذية "الحاد" الذي وصل له الفلسطينيون في قطاع غزة، خاصة الأطفال والكبار في السن، بسبب منع الاحتلال دخول المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية للقطاع.
ومنذ 2 آذار/ مارس الماضي، أغلق الاحتلال معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للمواطنين.
"هيكل عظمي"
والدة الطفل يوسف "ناجية" تقول لوكالة "الأناضول"، إن قطاع غزة يخلو تماما من أي نوع من الأغذية.
وأضافت، أن طفلها تحول بسبب سوء التغذية إلى "هيكل عظمي".
وأوضحت أن يوسف وجراء إصابته بسوء التغذية بات يتقيأ كل ما يرضعه من حليب، مناشدة بتوفير الحليب العلاجي ومستلزمات النظافة والصحة للأطفال الذي يعتبرون من فئات المجتمع الأكثر تضررا من الإبادة الجماعية.
وذكرت أن يوسف كان يزن في وقت ولادته كيلو و200 جرام، ما يعني أن وزنه زاد خلال الأشهر الأربعة 300 غراما فقط.
فبينما يحتاج النمو السليم لجسده وأعضائه الداخلية غذاء سليما وكميات دورية من الحليب الطبيعي أو الصناعي إن وجد، فإنه يحرم اليوم من ذلك بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد.
وأشارت والدة يوسف إلى أن الحليب العلاجي الذي يحتاجه يوسف غير متوفر في القطاع.
وطالبت بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال المواد الغذائية ومستلزمات الأطفال الغذائية والصحية.
كما لفتت إلى ضرورة تحويل يوسف للعلاج في الخارج، معربة عن تخوفاتها من حرمانه حقه في السفر بسبب إغلاق الاحتلال المتواصل لمعبر رفح البري إلا بما تسمح به من سفر حالات استثنائية.
تجويع الأم بداية
بداية إصابة الأطفال الرضّع بسوء التغذية يأتي من حالة تجويع أمهاتهن ضمن سياسة عامة ينتهجها الاحتلال ضد المواطنين في القطاع. فحرمان تلك الفئة من الغذاء السليم والصحي ينعكس سلبا على عشرات الآلاف من الأطفال الرضّع الذين لا يجدون غذاء لهم إلا حليب أمهاتهم.
وتقول النجار في هذا الإطار: "لازم نتغذى كي نطعم أطفالنا، لكن للأسف لا يوجد بيض ولا طحين ولا مياه".
وأشارت إلى أنه رغم ندرة توفر تلك المواد الأساسية اللازمة لحياتهن وحياة أطفالهن، إلا أن ما يتوفر منها تشهد أسعاره ارتفاعا كبيرا يصل إلى 5 أضعاف.
وفي 7 نيسان/ أبريل الماضي، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، للأناضول، إن 90% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يعانين من سوء تغذية حاد، وإن نقص المعدات الطبية يحول دون حصولهن على العلاج اللازم.
وأشارت هاريس إلى أن صحة الأمهات والأطفال في غزة شهدت تدهورًا حادًا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأعربت النجار عن حسرتها لما يحدث في قطاع غزة من مواصلة إسرائيل سياسة التجويع والتعطيش المتعمدة، محذّرة من أن "الأطفال بغزة يموتون بسبب قلة الغذاء".
مضاعفات صحية
بدوره، يسلط أخصائي الأطفال عاهد فروانة الضوء على المضاعفات الصحية الخطيرة التي تصيب الأطفال المصابين بسوء التغذية جراء التجويع الإسرائيلي.
وقال فروانة إن حالة النزوح والاكتظاظ التي تشهدها مراكز الإيواء تفاقم من نسبة تعرض الأطفال لـ"الالتهابات الشديدة بسبب سوء التغذية"، بما يؤثر على مناعة أجسادهم.
وذكر أن هؤلاء الأطفال يصابون أيضا بقصور في وظائف "الكلى والكبد" في ظل وضع صحي حرج يعاني منه القطاع ويحول دون تقديم الأدوية والعلاجات اللازم لهم بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر ومنعه دخول المساعدات الطبية.
وأشار إلى أن الكثير من حالات سوء التغذية تم استخراج تحويلات طبية لهم للعلاج في الخارج، لكن إغلاق المعابر حال دون مغادرتهم وسط أوضاع صحية صعبة.
وناشد فروانة مؤسسات إنقاذ الطفل بتقديم يد العون والمساعدة للأطفال باعتبارهم الفئة التي وقع عليها ظلم كبير خلال الحرب.
وشدد على أن فتح المعابر للسماح للأطفال بالسفر للعلاج وإدخال المواد والمكملات الغذائية والأدوية ضرورة لتقديم يد العون والمساعدة لأطفال غزة.
وتؤكد مصادر طبية أن الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين فاقما الأوضاع الصحية بالقطاع، موضحة أن مراكز الرعاية الأولية أغلقت أبوابها نتيجة القصف أو لوجودها ضمن مناطق الإخلاء، ما حرم آلاف الأطفال والحوامل من الرعاية الطبية الأساسية.
وأشارت إلى أن اعتماد الأطفال على وجبة واحدة غير مكتملة يوميًا سبب لكثير منهم الهزال وسوء التغذية.
ويعتمد المواطنون في القطاع بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وأمس الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء محمد مصطفى، قطاع غزة منطقة مجاعة، داعيا المنظومة الأممية بكاملها أن تُفعّل آلياتها فورا، وأن تتعامل مع غزة كمنطقة مجاعة، بما يستتبع ذلك من تدخل دولي عاجل ورفع فوري لكل القيود التي تمنع الإغاثة.
وحمّل رئيس الوزراء، إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية المتعمدة في غزة.
وطالب مصطفى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل الفوري وتطبيق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، كما طالب كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتحرك العاجل وفق التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والاعتراف بالكارثة والمجاعة، والعمل على توفير الدعم السياسي واللوجستي لإنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة الدولية.
وأكد مصطفى، أن الحكومة ستواصل العمل من أجل مواجهة العدوان والمجاعة ضد شعبنا، والعمل الدؤوب مع المجتمع الدولي على إنقاذ الأرواح، وصولا إلى التعافي وإعادة الإعمار.
وقال رئيس الوزراء: "التقارير الموثقة والصادرة عن المؤسسات الدولية والأممية، والمؤشرات الميدانية، ومظاهر الجوع والعطش، والمشاهد اليومية لأجساد الأطفال النحيلة، وصرخات أنين الألم من بين خيام النازحين والركام، كلها تدل على أن غزة الآن أصبحت منـطـقة مـجـاعـــة، ونرفع صوتنا عاليا في وجه الصمت وغياب الفعل الدولي، لا تتركوا أطفال غزة المحاصرين يموتوا جوعا، لا تسمحوا باستخدام الغذاء والماء أدوات للحرب".
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يرتكب الاحتلال جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 171 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
ــــ
ع.ف