أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 27/08/2025 12:28 م

الأغوار الشمالية.. عين الحلوة بين أطلال مساكن مهدمة ومستقبل مجهول

 

الأغوار 27-8-2025 وفا- إسراء غوراني

منذ قرابة الأسبوع، يلازم المواطن قدري دراغمة من تجمع عين الحلوة في الأغوار الشمالية أطلال مسكنه الذي تحول في غضون ساعات إلى كومة ركام، بعد إقدام سلطات الاحتلال، نهاية الأسبوع الماضي، على هدم مسكنه ومساكن أبنائه وحظائر مواشيهم.

في العراء وتحت أشعة الشمس الحارقة، يتقاسم دراغمة مع أبنائه وأحفاده تعب الجسد المنهك بلا مأوى وترقب ما هو قادم، فبعد عمليات الهدم التي تعرضت لها منشآتهم تواجه العائلة تهديدات يومية لحملها على الرحيل قسرا، تارة من المستعمرين القادمين من المستعمرات والبؤر القريبة، وتارة أخرى من جنود الاحتلال الذين يمنعونهم من إقامة أي خيمة أو ظل يستظلون به مكان منشآتهم المهدومة.

العائلة المرابطة على بقايا متاعها تعرضت للمهاجمة مرارا من جنود الاحتلال والمستعمرين خلال الأيام التالية لعملية الهدم، فضلا عن ذلك تعرض رب الأسرة الممتدة قدري دراغمة للتنكيل والاحتجاز والتهديد عدة مرات.

يقول دراغمة في حديثه لـ"وفا" إنه عازم على البقاء في مكانه حتى دون مأوى، ولن يرضخ للتهديدات المتزايدة، فهو يعلم المصير المرير الذي سيلحق به في حال مغادرته أرضه التي قد يصبح وصوله إليها فيما بعد ضربا من الخيال، إذ تشير معطيات المجلس القروي في المالح والمضارب البدوية إلى أن عدد عائلات تجمع عين الحلوة يبلغ 11 عائلة، وجميعها تواجه خطر التهجير القسري، خاصة بعد عمليات الهدم التي طالت معظم المنشآت في التجمع خلال الشهرين الماضي والحالي.

ويؤكد دراغمة أنهم يدفعون منذ سنوات طويلة أثمانا باهظة جراء صمودهم في التجمع الذي تسعى سلطات الاحتلال إلى الاستيلاء عليه، فيما يبني المستعمرون عليه أحلامهم التوسعية.

منذ احتلال الأغوار قبل قرابة ستة عقود، بدأ سكان تجمع عين الحلوة كغيرهم من أهالي الأغوار  يعانون الأمرين ويفقدون سبل عيشهم وبقائهم عاما بعد عام، بفعل إجراءات سلطات الاحتلال ومخططاتها للسيطرة الكاملة على المنطقة، بداية من الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي الأغوار بذرائع عديدة.

وفي السياق، تشير تقديرات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) وفقا لتقارير سابقة، إلى أن "إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت، وتستغلّ هذه المساحة لاحتياجاتها هي... تستند إسرائيل في ممارساتها هذه إلى ذرائع قانونية مختلفة: أعلنت إسرائيل منذ العام 1967 بعد أشهر قليلة من بدء الاحتلال، جميع الأراضي التي كانت مسجّلة أراضي دولة في العهد الأردني (وتشكّل نسبة 53% من مجمل مساحة منطقة الأغوار وشمال البحر الميت) كـ"مساحات مغلقة".

إضافة إلى هذا التصنيف أعلن جيش الاحتلال نهاية الستينيات وبداية السبعينيات 45.7% من أراضي الغور "مناطق إطلاق نار"، ومنع الفلسطينيين من دخولها، أو المكوث فيها.

كذلك أعلنت سلطات الاحتلال نحو 20% من أراضي الغور "محميات طبيعية" و"حدائق وطنية"، وخصّصت أراضي أخرى للمستوطنات التي أقيمت في الأغوار بعد الاحتلال بوقت قصير...".

فضلا عن ذلك وعلى مدار السنوات المتعاقبة، أطلقت سلطات الاحتلال يد المستعمرين في المنطقة لتسريع تنفيذ المخططات الاستعمارية فيها، عبر تنفيذ الاعتداءات اليومية، وتسييج مساحات إضافية من الأراضي والمراعي ومنع وصول الرعاة إليها، والاستيلاء على ما تبقى من ينابيع ومصادر مياه، وهو ما يؤدي إلى فقدانهم مصدر رزقهم المعتمد على الثروة الحيوانية عاما بعد عام.

ويشير دراغمة الذي وُلد في هذا التجمع ويسكنه أبا عن جد، إلى أنه منذ سنواته الأولى في الحياة في ضنك وقهر يوميين من ممارسات الاحتلال والمستعمرين الهادفة إلى ترحيلهم وتحويل تجمعاتهم إلى مستعمرات، هذه المخاطر تضاعفت خلال السنوات القليلة الماضية وأدت إلى خسارات كبيرة لا يمكن تعويضها في مصدر رزقهم، فدراغمة الذي كان يملك 300 رأس من الأبقار قبل سنوات، بالكاد يملك اليوم 70 رأسا لم يعد يقوى على تأمين مأكلها ومشربها، بعد سيطرة سلطات الاحتلال والمستعمرين على المساحات الرعوية وما تبقى من مصادر مياه، فضلا عن عمليات  الاستيلاء على المواشي وسرقتها خلال الملاحقات اليومية.

رغم كل ما كابده دراغمة خلال سنوات طويلة من انتهاكات لم تتوقف يوما، فإنه يرى أن ما تشهده الأغوار خلال السنوات الأخيرة هو الأخطر في تاريخها، فالمشاريع الاستعمارية الكبرى التي طالما تحدث عنها الاحتلال بات الأهالي يرونها واقعا مرئيا محسوسا أمام أعينهم يهدد الوجود الفلسطيني في المنطقة.

يُجمع دراغمة وغيره من الأهالي في الأغوار على أن الواقع ازداد سوداوية خلال العقد الأخير، وخاصة مع تفشي حمى الاستعمار الرعوي وانتشار البؤر الاستعمارية الرعوية على مقربة من معظم التجمعات، والتي يتخذها المستعمرون نقطة انطلاق لاعتداءاتهم على التجمعات السكانية، وبسببها باتت أغلبية تجمعات السفوح الشرقية والأغوار تواجه عمليات تهجير قسري ممنهجة ويومية، إذ تشير تقديرات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن عدد البؤر الرعوية في الضفة وصل حتى نهاية عام 2024 إلى 137 بؤرة زراعية ورعوية تمنع وصول المواطنين إلى ما مجموعه 489 ألف دونم.

وفي عين الحلوة، بالإضافة إلى مستعمرة "مسكيوت" المقامة على أراضي المواطنين منذ عام 2002، على موقع عسكري لجيش الاحتلال كان مقاما في ستينيات القرن الماضي، ازدادت فصول المعاناة مؤخرا، ففي عام 2019 أقام المستعمرون بؤرة رعوية في منطقة أبو القندول التي لا تبعد كثيرا عن مساكن المواطنين في عين الحلوة.

وفي أواخر العام المنصرم أقيمت بؤرة أخرى على مرمى النظر من عين الحلوة، وتحديدا على أراضي تجمع أم الجمال الذي تعرض للتهجير القسري نتيجة إرهاب المستعمرين.

وخلال العامين الأخيرين وتزامنا مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، اتخذت اعتداءات المستعمرين على سكان تجمعات الأغوار ومنها عين الحلوة أشكالا أكثر خطورة، فبالإضافة إلى الاقتحامات وعمليات المهاجمة المتكررة وملاحقة الرعاة اليومية، أقدموا على رفع أعلام الاحتلال على مقربة من خيام المواطنين في عين الحلوة مرات عديدة، معلنين نيتهم الاستيلاء الكامل عليها، وصولا إلى عمليات هدم سلطات الاحتلال لمساكن المواطنين في دور تكاملي بات مألوفا تتضافر فيه جهود سلطات الاحتلال مع المستعمرين لتنفيذ عمليات التهجير القسري.

وتوضح آخر المعطيات لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن عدد التجمعات التي تم تهجيرها قسريا من الضفة خلال العامين الأخيرين تزامنا مع حرب الإبادة على قطاع غزة بلغ ٣٣ تجمعا أغلبيتها من السفوح الشرقية والأغوار، كما تعكس المعطيات لدى الهيئة تسارع عمليات التهجير وتضاعفها بشكل مخيف عن السابق، إذ تم توثيق تهجير أربعة تجمعات على مدار عامين قبل ذلك.

في مناطق أخرى من الأغوار الشمالية، ينظر الأهالي بعين الترقب إلى أيامهم المقبلة، فتجمعات بأكملها تعصف بها رياح التهجير وتترقب مصيرا بات منظورا مع تصاعد اعتداءات المستعمرين، ومنها تجمع المالح الذي أقدم المستعمرون خلال الشهر الماضي على مهاجمة مساكن المواطنين فيه والاعتداء عليهم وتهديدهم بالسلاح، بالإضافة إلى سرقتهم عشرات رؤوس الماشية منه وقتلها.

فيما تعايش خربة الفارسية واقعا قاتما بكل تفاصيله مع الاعتداءات الخطرة للمستعمرين، التي أجبرت إحدى العائلات على مغادرة التجمع قسريا قبل أيام.

ــــــــــــــــــ

س.ك

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا