أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 24/09/2025 08:34 م

نزوح نحو المجهول.. قصص من قلب المأساة

 

غزة 24-9-2025 وفا – تقرير: محمد دهمان

يستمر النزوح الجماعي في قطاع غزة في ظل ظروف إنسانية مروعة، حيث لا يوجد مكان آمن سواء في الشمال أو الجنوب.

ورغم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي كذبا عما يُسمى بـ"المناطق الإنسانية"، إلا أن الواقع على الأرض يكشف أن كل شبر في القطاع أصبح ميدانًا للدمار والمجازر.

في القطاع، تعرضت المنازل والمستشفيات والمؤسسات المدنية لدمار واسع، في وقت اختفى فيه أي أثر للحياة الطبيعية. فالشوارع التي كانت تعج بالحركة والحيوية أصبحت اليوم مليئة بالركام والأبنية المدمرة، بينما يحاول المواطنون الاحتماء في خيام نزوح مؤقتة أو في أراضٍ مستأجرة تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية.

أياد مطر، البالغ من العمر 38 عامًا، وأب لثلاثة أطفال، يروي محنة نزوحه من شمال القطاع إلى جنوبه قائلاً: "اضطررت لبيع هاتفي وهاتف زوجتي لتأمين أجرة الطريق. لم يعد لدي أي مال، وحتى وسيلة للتواصل مع أفراد عائلتي. صنعت خيمة من خشب أبواب منزلي بعدما عجزت عن نقل الأثاث بسبب ارتفاع الأسعار. وعندما وصلت إلى الجنوب، اكتشفت أن منزلي قد دُمّر بالكامل، ولم يعد لدي شيء، حتى ذكرياتي اختفت مع الدمار".

ويضيف بحرقة: "أعيش اليوم في منطقة المواصي بخان يونس، تحت ظروف قاسية وقلب مثقل بالحزن. كل يوم أستيقظ على صوت الانفجارات، وأعيش في خوف دائم على أطفالي من أي قصف مفاجئ. لم أتخيل أبدًا أنني سأعيش هذه الحياة، بلا مأوى، بلا أمل، ودون أي ضمان لمستقبل أبنائي."

أما النازح رامي الأستاذ، البالغ من العمر (45 عامًا)، وأب لثلاثة أطفال، فيروي رحلة نزوحه بالقول: "نجونا بأعجوبة من القصف، ولكن الرعب سيطر علينا بسبب أصوات الانفجارات التي كانت تلاحقنا. لم يكن أمامي خيار سوى بيع ما تبقى من مصاغ زوجتي لكي نتمكن من الهرب. حملنا بعض الأغطية والفرشات فقط، وتركت كل شيء خلفنا. قضينا 48 ساعة على الطريق، محاطين بآلاف النازحين، وسط طرق مدمرة وغارات مستمرة. اضطررنا لعبور طرق غير معبدة مليئة بالحفر والركام، في رحلة لم نكن نعلم أين ستنتهي."

ويضيف رامي: "عند وصولنا إلى خان يونس، اضطررت لاستئجار قطعة أرض صغيرة مقابل ألف شيقل شهريًا، رغم أنها بلا أي خدمات. وفي ليلتنا الأولى هناك، قُصف جيش الاحتلال خيمة مجاورة لنا، فاستشهد عدد من النازحين وأصيب آخرون. كان الموت قريبًا جدًا منا. هذه التجربة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا في نفسي وفي نفوس أطفالي، وأصبح كل تحرك لنا محفوفًا بالخطر."

ويختم بقوله: "الموت لم يعد حكرًا على الشمال فقط، بل أصبح يحيط بنا في كل أنحاء قطاع غزة، الذي حوّله الاحتلال إلى جحيم. المواطنون جميعهم باتوا أهدافًا مباشرة، بلا حماية، ولا ملجأ، ولا أفق."

الصحفية سماح شاهين (31 عامًا)، والتي تعمل مع عدة مواقع إخبارية، أصبحت اليوم واحدة من بين آلاف النازحين الذين كانت توثق معاناتهم ذات يوم.

تروي قصتها قائلة: "نزحت في البداية من منطقة أبو إسكندر بعد أن استشهد اثنان من أبناء عمي أمام عيني. لجأنا إلى منزلنا المدمر في منطقة المخابرات، وحاولنا تغطيته ببعض الشوادر، لكن القصف لم يتوقف، وجيش الاحتلال كثف غاراته واستخدم الطائرات المسيّرة التي تطلق النار على كل ما يتحرك. انقطعنا عن المياه والإنترنت، واضطررنا للنزوح مجددًا سيرًا على الأقدام تحت القصف والنيران."

وتتابع: "كان نزوحنا الثاني إلى الجنوب من أصعب التجارب التي مررت بها، حياتي فقدت الاستقرار ونفسيتي منهارة. كنت أكتب عن معاناة الناس، واليوم أجد نفسي أكتب عن مأساتي. لم يعد هناك أحد في أمان، فنحن جميعًا مستهدفون، فكل يوم يشغلني هاجس تأمين الطعام والماء لعائلتي، وفي الوقت نفسه أواصل توثيق ما يمر به الآخرون. النزوح جعلنا أسرى للخوف، نعيش في المجهول."

المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أولغا تشيريفكو قالت لمراسل "وفا"، خلال لقاء عقدته مع صحفيين بمقر شبكة المنظمات غير الحكومية في دير البلح، إن تقديرات المكتب تشير إلى أن عدد النازحين من شمال قطاع غزة على جنوبها يقدر بنحو 300 ألف نسمة منذ منتصف آب/ أغسطس الماضي.

وأضافت أولغا أن معظم النازحين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة وأن "أوتشا" يعمل ما في وسعه لمساعدة من تبقى أو نزح، والتخفيف عنهم لكن هذه الجهود تصطدم بالعراقيل الإسرائيلية التي أبرزها قيود على حركة فرق المكتب.

ـــ

م.د/ر.ح

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا