رام الله 14-6-2022 وفا- معن الريماوي
استيقظت عبير خضور مبكرا بعد ليلة عصيبة أمضتها برفقة خيال وروح ابنتها الشهيدة حنان، وراحت تتنقل من غرفة لأخرى وتمسك بيدها الكتاب، وجلست على عتبة البيت منتظرة عودتها من أول امتحان في الثانوية العامة، علها تطمئنها كيف أدته.
لكن هذا مجرد خيال، فالحقيقة هي أن الاحتلال الإسرائيلي دفن حلم عبير من رؤية ابنتها على مقاعد الدراسة في الثانوية العامة، بدا اليوم انتظارها عقيما، فحنان لن تعود أبدا.
في التاسع من نيسان الفائت اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين، كانت حنان في ذلك الوقت ذاهبة لحضور آخر حصة تقوية لها في اللغة الإنجليزية، وتفاجأت بأن المركز التدريبي الذي ترتاده منذ بداية العام الدراسي مغلق بعد الاقتحام، لتعود أدراجها، وتصعد مركبة عمومية متجهة صوب قريتها فقوعة شمال جنين.
أثناء عودتها أطلق الاحتلال الرصاص صوب المركبة ما أدى لإصابتها برصاصة اخترقت يدها اليمنى ومزقت بطنها وأحشاءها، ليتم نقلها لمستشفى ابن سينا، ويُعلن عن استشهادها في الـ 17 من الشهر ذاته.
منذ ذلك الوقت وضعت عبير البطاقة داخل خزانة ابنتها حنان، وأغلقت عليها ليبقى مجرد ذكرى مؤلمة تعتصر قلوبهم.
حنان التي أفنت كل وقتها في الدراسة حتى تتمكن من تحصيل أعلى العلامات ودراسة مجال التسويق في الجامعة، كانت تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر لتتمكن من حصد نتائج صبرها وجهدها.
"منذ المساء وأنا أستحضر مشهد حنان كيف كانت تمسك الكتاب وتتنقل من غرفة لأخرى، وكيف تستعد صباحا للذهاب لأول امتحان لها، وفي جيبها بطاقة الجلوس لتثبّته على المقعد، وتطلب مني الدعاء لها كما كل الامتحانات السابقة. اليوم جلست صباحا أمام عتبة البيت وقد تملكني إحساس أنها ستأتي وتخبرني كيف أدت امتحانها، لكن حنان لن تعود، وبقيت بطاقة جلوسها حبيسة الدُرج" تقول عبير والدة الشهيد حنان.
وتضيف: "هذا اليوم من أصعب الأيام التي مرت علي، فقد كانت حنان تنتظره لتتمكن فيه من تقديم امتحاناتها وتحصد نتائج جهدها، لتصل إلى حلمها الذي انتظرته في دراسة مجال التسويق في الجامعة، ولطالما أخبرتني أنا ووالدها أنها ترغب في دراسة هذا المجال ودخول عالم التجارة".
لا تزال عبير غير مستوعبة أن حنان لن تدخل الباب هذا اليوم، ولن تتجه نحوها مسرعة لتحتضنها وهي تردد أنها أدت الامتحان بشكل ممتاز.
بالأمس توجهت عبير لمدرسة بنات الخنساء الثانوية لأخذ علامات حنان اليومية للاحتفاظ بها، إلى جانب بطاقة جلوسها، لتبقى ذكرى لها يتناقلها جيل بعد جيل.
وتقول: "حنان كانت تحب الدراسة كثيرا، وكانت متفوقة، ولا تجلس معنا إلا وفي يدها كتاب، وتردد دائما أنها ستحصل على أعلى العلامات، وفي كل امتحان تحصل فيه على العلامة الكاملة، كانت تأتي إلى البيت مسرعة وهي تقول هذه البداية فقط".
وتتابع "في آخر حصة تقوية لها، اقتحمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال المنطقة، وأخبرتها ألا تذهب للدرس خشية حدوث مكروه لها، لكنها رفضت وأصرت على الذهاب، واستكمال آخر حصة لها، لكنه كان آخر يوم لها أيضا".
"تركت حنان فراغا كبيرا في حياتنا، وفقدنا الحنونة الطيبة المرحة، التي تحب الحياة والطبيعة، وكانت تزرع الورود في كل مكان، لتلتقط بذلك صورا لها مع المكان الجميل، وهي وحيدة بين 3 أشقاء، وقد باتوا ينامون في غرفتها ليشتموا رائحتها التي افتقدوها"، قالت والدتها.
وحسب وزارة التربية والتعليم، فقد غاب عن امتحانات الثانوية العامة إلى جانب الشهيدة الخضور، الطالب معتصم عطاالله من بيت لحم الذي استشهد في 8 أيار الفائت، في حين أن هناك 26 طالبا ما زالوا رهن الاعتقال وحرمهم الاحتلال من أداء الامتحانات.
ــــــــ
ر.ح