نابلس 31-10-2022 وفا – زهران معالي
قرابة الثامنة صباحا، شق المزارع محمد جبر طريقه برفقة عائلته إلى الكرم الغربي لقرية قريوت جنوب نابلس، قاصدا حقول الزيتون، لجني ثمارها التي ينتظرها بفارغ الصبر، إلا أن آماله تبددت باختفاء أشجاره الستين، بعدما قطعها وسرق جذوعها "كورن".
"كورن" هنا ليس اسما لمبيد أو مرض يصيب الزيتون، بل مستوطن متطرف بدأ منذ عام 2010 بممارسة اعتداءاته بشكل مستمر على المزارعين وأراضيهم بالقرية، تارة بقطع الأشجار وقلعها أو حرقها، وتارة أخرى بسرقة ثمارها، بغطاء من جنود الاحتلال، وفق ما يؤكد المزارع جبر لـ"وفا".
والليلة الماضية، جهز جبر برفقة عائلته المعدات اللازمة لقطف ثمار الزيتون من مفارش وسلالم على جراره الزراعي، استعدادا لساعات الصباح التي سيسمح فيها الاحتلال الدخول للمنطقة الغربية من قريوت لمدة ثلاثة أيام ولساعات محدودة يوميا.
أدار جبر محرك جراره الزراعي وانطلق برفقة العائلة نحو الحقل، متشوقين لموسم الزيتون الماسي هذا العام، لكن سرعان ما أُطفئ هذا الشوق لدى وصولهم، بعدما وجدوا الحقل المكون من عشرة دونمات ويضم ستين زيتونة معمرة، قد خلا من أشجاره.
ويقول جبر بحرقة لـ"وفا": "الأشجار زرعها والدي قبل 80 عاما، والمستوطن كورن حرمنا منها".
وهذه المرة الثانية التي يتمكن فيها جبر من زيارة أرضه هذا العام، بعدما سمح له الاحتلال بحراثتها في شهر نيسان/ أبريل الماضي.
ويضيف جبر: "في الزيارة الأولى لأرضي في شهر نيسان الماضي، بينما كنت أحرث الأرض، جاء المستوطن كورن وهددني "رح أخلع زيتونك بالباجر"، واليوم تفاجأت أنه نفذ تهديده، ويبدو أنه قطع الأشجار قبل أن تبرز ثمار الزيتون، فلا أثر للثمار على الأرض".
"كورن يهدف لترحيلي عن أرضي، لكن ما رح أطلع من الأرض حتى لو أموت، سأستمر بحراثتها والاهتمام بها وستنمو أشجار الزيتون من جديد"، يؤكد.
ويشير إلى أن قطعة الأرض خاصته كانت تنتج نحو 30 تنكة من الزيت سنويا، لكن منذ أن استوطن "كورن" المنطقة تراجع إنتاجها إلى تنكتين فقط، إثر اعتداءاته المتكررة على الأرض.
وعلى مقربة من أرض جبر، قطع المستوطن "كورن" 20 شجرة معمرة أخرى وطمر الحفر مكانها، كما تفاجأ المزارعون بسرقة ثمار الزيتون في عشرات الدونمات القريبة من مستوطنة "عيليه" الجاثمة على أراضي القرية، وفق ما يوضح رئيس المجلس القروي نضال بدوي.
ويشير بدوي لـ"وفا"، إلى أن المستوطنين أقدموا على إقامة حفر كبيرة بطريق المزارعين لإعاقة وصولهم لأراضيهم، منوها إلى أن 15 ألف دونم من أراضي القرية البالغة 22 ألف دونم، واقعة في المناطق المصنفة (ج)، وجرى الاستيلاء على جزء كبير منها لصالح الاستيطان والمواقع العسكرية، فيما لا يسمح الاحتلال بالدخول إليها إلا بتنسيق مسبق محدد المدة.
وكتبت المواطنة آلاء معمر على صفحتها على "فيسبوك" عن الصدمة التي تعرض لها والدها محمود عيسى معمر، بعدما وصل لأرضه بالكرم الغربي من قريوت: "تفاجأ بقيام مستوطن بنهب أرضه داخل الجدار، بعد أن حولها إلى متنزه خاص، وقام بتدمير معالمها وقلع أشجارها وجعلها متنزها له، وحفر فيها قنوات وبرك مياه".
وعام بعد آخر، يتراجع موسم الزيتون الذي اعتاد الفلسطينيون أن يكون موسما اقتصاديا وتراثيا أساسيا في حياتهم، إلى موسم للعناء والخوف والحسرة وميدانا آخر للمواجهة، في ظل تزايد اعتداءات المستوطنين التي ترتفع حدتها مع بدء الموسم.
ويتعمد الاحتلال كل عام تأخير السماح للمزارعين بقطف ثمار الزيتون في المناطق القريبة من المستوطنات والواقعة في المناطق المصنفة "ج"، وغالبا ما أن يصل المزارعون أراضيهم حتى يعودوا لمنازلهم خائبين إثر سرقة المستوطنين الثمار.
وصباح اليوم، ألغت سلطات الاحتلال الإسرائيلي "التنسيق" لقطف ثمار الزيتون والذي كان مقررا لمدة ثلاثة أيام للمزارعين في أراضي بلدة بيت فوريك شرق نابلس.
وتحدث رئيس بلدية بيت فوريك عارف حنني لـ"وفا"، بأن الاحتلال حرم المزارعين من الوصول لأراضيهم على طول السلسلة الجبلية الممتدة من الأراضي المقامة عليها مستوطنة "ايتمار" غرب البلدة، إلى حدود قرية يانون شرقا، والتي تقدر مساحتها 500 دونم.
ويشير حنني إلى أن القرار ألحق أضرارا مادية بالمزارعين الذي تجهزوا الليلة الماضية للذهاب إلى أراضيهم، مؤكدا أن الأيام الثلاثة التي تسمح بها سلطات الاحتلال للمزارعين قطف ثمار الزيتون تمكنهم من جني 20-30% من الثمار فقط، كون تلك الأراضي تحتاج إلى قرابة أسبوعين على الأقل لجني الثمار.
وتقع قرابة 29 ألف دونم من أراضي بلدة بيت فوريك ضمن المنطقة المصنفة "ج" من أصل 37 ألف دونم مساحة القرية الإجمالية، وتفرض سلطات الاحتلال إجراءات أمنية معقدة ومشددة على المواطنين للوصول إليها، ولا تسمح بالعمل بها، وفق ما يؤكد حنني.
ومنذ بداية موسم الزيتون منتصف الشهر الجاري، ارتكب المستوطنون 49 اعتداء على المزارعين في محافظة نابلس، تركزت في بلدتي حوارة وبورين جنوبا، وفق ما يؤكد مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس.
وأكد دغلس لـ"وفا"، أن الاعتداءات تنوعت بين حرق للأشجار وسرقة للثمار وسكب المياه العادمة بين حقول الزيتون، والاعتداء على المزارعين وطردهم من أراضيهم خلال قطف الثمار، لافتا إلى تصاعد اعتداءات المستوطنين هذا العام بموسم الزيتون مقارنة بالأعوام السابقة.
ونوّه دغلس إلى أن الاحتلال ينغص على المزارعين بأيام التنسيق المحدودة وتغيير مواعيدها بشكل مفاجئ، بعدما يتجهز المزارعون وعائلاتهم للذهاب إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، مشيرا إلى أن أيام التنسيق المحدودة أعطت المجال للمستوطنين لسرقة الثمار وارتكاب الاعتداءات.
ــــ
ز.ع/ م.ع