رام الله 6-5-2025 وفا- خلصت ندوة سياسية إلى أن تصعيد حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو وحلفائه من اتباع الصهيونية الدينية عمليات الاستيطان بالضفة وما يرافقها من ممارسات عسكرية وقضائية وإدارية تهدف إلى فرض حقائق على الأرض تجعل الضم أمرا واقعا.
وحضر الندوة التي جاءت بعنوان "الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية...بنية تحتية لفرض الضم"، ونظمتها دائرة العمل والتخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية، عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى دولة فلسطين، وممثلون عن مؤسسات محلية ودولية، وعدد من السياسيين والخبراء والأكاديميين والباحثين المتابعين للاستيطان وتداعياته.
وحاضر في الندوة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني، والناشطة السياسية المقدسية سلفيا أبو لبن، والمسؤول في دائرة شؤون المفاوضات فؤاد حلاق، وقدم لها وأدارها مدير عام دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني، محمد العطاونة، فيما شهدت وقائعها نقاشات ومداخلات من قبل الحضور إلى جانب أسئلة واقتراحات تركّزت حول سبل التصدي للهجمة الاستيطانية وأهدافها.
وركّزت الندوة على عدة محاور أبرزها، الخطوات الإسرائيلية لضم الضفة، مخطط "نسيج الحياة" الاستيطاني كأداة تغيير للديمغرافية الفلسطينية وتمهد للضم، وتداعيات السياسات الاستيطانية على مستقبل الدولة الفلسطينية.
ورأى المشاركون أن القضية والحالة الفلسطينية، اليوم، أمام مخطط ذو أبعاد استراتيجية ما يتطلب الانطلاق من عنوان أين نحن؟ وكيف علينا التصدي لكل هذه المخططات؟ في ظل عاصفة عاتية يمر بها الإقليم من متغيرات بالتحالفات وإعادة التموضع وترتيب الأوضاع.
كما توقفت الندوة أمام الأهداف التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقها في الضفة، وخاصة عبر بقائه داخل مخيمات جنين وطولكرم إلى إعادة فرض الحكم العسكري وسعيه الى إنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية. وفي المقابل تناولت الخيارات التي تمتلكها القيادة الفلسطينية لمواجهة الخطط الإسرائيلية.
ولفت العطاونة إلى أن الندوة تأتي تحت مظلة البيت الفلسطيني الجامع، منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في ظل أوضاع سياسية معقدة تعيشها القضية الفلسطينية والمنطقة والإقليم عموماً، وفي ظل حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تمارسه ترسانة الحرب الإسرائيلية، والتي تعدت ذلك إلى سياسة التجويع، بما يخالف ويتعارض مع القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف: "تتعرض غزة بحجرها وإنسانها إلى الإبادة والتجويع، وفي ذات الوقت تعيش الضفة الغربية بعين العاصفة، من خلال إجراءات الاحتلال العنصرية من استهداف لمخيمات شمال الضفة وتهجير السكان، وتقطيع أوصال المدن عن بعضها عبر بوابات زاد عددها عن 870 بوابة، إلى الاستيلاء على الأراضي وشق الطرق الاستيطانية إلى توسيع المستوطنات وشرعنتها".
بدورها، أشارت أبو لبن في مداخلتها، إلى أن الخطوات الإسرائيلية لضم الضفة والتي قالت إنها بدأت تظهر منذ صعود حكومة ائتلاف اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم بحقائق ومعطيات في غاية الخطورة تشير إلى وصول مشاريع الاستيلاء الاستعماري والضم إلى أقصى مراحلها، المتمثلة في تصاعد عمليات التهجير القسري بشكل لافت، خاصة للتجمعات البدوية في مناطق السفوح الشرقية، بالإضافة إلى تصاعد الاستيلاء على الأراضي بوتيرة هي الأعلى منذ عقود، وزيادة إقامة البؤر الاستعمارية الرعوية، فضلا عن تصاعد اعتداءات المستعمرين.
وأضافت أن حكومة الاحتلال اتخذت خطوات غير مسبوقة مؤخرا، في مجال إحكام السيطرة الاستعمارية على الضفة تمهيدا لضمها الكامل، عبر تغيير البنية الهيكلية لما تسمى "الإدارة المدنية"، بتحويل المسؤوليات فيها من العسكريين إلى مدراء مدنيين، إذ تم تعيين المستعمر المتطرف هيليل روث نائبا لرئيس "الإدارة المدنية" فيما شرعت سلطات الاحتلال بعد ذلك بسلسلة انتهاكات متسارعة على الأرض لخلق وقائع يصعب تغييرها.
ورأت أبو لبن، أن المصالح الفلسطينية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة، تتراجع يوميًا مع استمرار إسرائيل بلا هوادة في سياساتها الاستيطانية وضم الأراضي. واليوم، يعيش حوالي 740 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية، بما في ذلك 240 ألفًا في القدس المحتلة بحيث قامت إسرائيل بتسريع بناء المستوطنات لتعزيز مصالحها وتنفيذ خطط الضم.
من جانبه، استعرض حلاق في مداخلته واقع الاستيطان المتسارع في الضفة وأثره والهدف منه، مؤكدا أن المخططات التي تدفع بها حكومة المتطرفين بزعامة نتنياهو تهدف إلى منع إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا.
ورأى على ضوء المتابعات والدارسات التي تقوم بها دائرة شؤون المفاوضات أن 53% فقط من مساحة الضفة ستكون خارج سيطرة الاحتلال وفق أكثر الأرقام تفاؤلا، فيما تواصل المشاريع وبما فيها المحاور والشوارع والأنفاق وخطوط القطار الخفيف في قضم مزيد من المساحات ومفاقمة الوضع على الأرض.
ورأى أن المشروع الذي أطلقت عليه حكومة الاحتلال اسم "نسيج الحياة" هو في الواقع طريق عنصري يعزّز "الأبرتهايد" ويفصل الطرق المخصصة للفلسطينيين عن تلك التي يستخدمها المستوطنون، كما يعزز فصل القدس وجنوب الضفة عن شمالها وهو عمليا مشروع لتقييد وقتل الحقوق والتطلعات وحياة الفلسطينيين فوق ترابهم الوطني والتحكم في قدرتهم على النقل والتنقل الحر والآمن.
وفي تناوله لتداعيات السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية، على مستقبل الدولة الفلسطينية، توقف مجدلاني، أمام مفهوم الاستيطان اليهودي في فلسطين، لافتا إلى أن عملية الاستيطان بدأت أواخر القرن التاسع عشر، حيث شكّل هذا الاستيطان آلية التطبيق العملي للصهيونية. وتحوّل، لاحقاً، إلى استراتيجية لإحياء وجود الشعب اليهودي بمفهومه الجديد كحركة قومية – الحركة الصهيونية – في الحيز الجغرافي الذي تدّعي هذه الحركة أن لليهود ارتباطاً به وحقاً تاريخياً فيه– وهو فلسطين.
وأضاف: الاستيطان اليهودي في فلسطين هو عملياً، أحد نماذج الاستعمار، على الرغم من اختلاف حيثياته ومسبباته ودوافعه وانعكاساته. وعلى الرغم من أن يهوداً سكنوا في المدن التاريخية في فلسطين قبل ذلك، فإن دوافع سكنهم لم تكن استعمارية إحلالية.
وقال مجدلاني، مفهوم الاستيطان هو، استراتيجيا لاستمرار إنجاز رؤية إحياء قومي وديني وجغرافي للشعب اليهودي في فلسطين كإقليم يدّعي أن لهم حقاً تاريخياً موروثاً فيه. وللسيطرة على الموارد وللتأثير الأيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي في الحيز المحيط.
واستعرض مجدلاني، السياسات الاستيطانية في الضفة حيث تشهد الأطماع الاستيطانية تسارعًا غير مسبوق، ضمن سياسة ممنهجة قديمة تستهدف فرض واقع جديد على الأرض، مشددا على أن هذه المشاريع ليست عشوائية، بل تأتي في سياق مخطط استراتيجي طويل الأمد للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ورأى أن أبرز ملامح هذه السياسة يتمثل في إنشاء شبكة من الطرق الالتفافية الاستيطانية التي تعزل المدن والبلدات الفلسطينية، وتوسيع البؤر الاستيطانية وتحويل مساحات واسعة من الأراضي إلى مراعٍ تخدم التوسع الاستيطاني، مع تسريع وتيرة المصادقة على مشاريع استيطانية جديدة، مستغلين تغيرات إدارية داخل حكومة الاحتلال تتيح تنفيذ المخططات دون الحاجة إلى قرارات سياسية إضافية.
وتابع أن هذه الممارسات تشكّل جزءًا من مشروع استيطاني شامل يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، ويشمل ذلك تهجير التجمعات البدوية، وهدم المنازل الفلسطينية، وفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين، ما يعكس تصعيدًا خطيرًا يهدد بمحو فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
وأكد مجدلاني أن الضم الزاحف الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من مخطط استيطاني طويل الأمد بدأ منذ احتلال عام 1967، ويستمر عبر مشاريع متعاقبة تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ورأى أن الهدف النهائي هو السيطرة على غالبية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وما عليها من موارد، ونقل ملكيتها واستغلالها بشكل حصري للمستوطنين والسيطرة على خزانات المياه الجوفية الرئيسية مع سياسات عنصرية جائرة بحق الموارد المائية التي تستخدم بشكل حصري وعنصري للمستوطنين وتصحير الأرض الفلسطينية، كمقدمة للسيطرة عليها بحجة أنها غير مزروعة، أو متروكة. وتخريب قطاع الصناعة الفلسطينية، وبنيتها التحتية، بل ومنافستها عبر إقامة مناطق صناعية في المستوطنات، وإعطائها أفضلية قصوى، وتدمير البيئة الفلسطينية، مثل استنزاف المياه أو تلويث الهواء ومياه الشرب، وإلقاء المياه العادمة على تجمعات الفلسطينيين، وكذلك النفايات المشعة والطبية، أكانت سائلة أم صلبة والنفايات الصناعية من المواد الكيماوية السامة وغيرها، واستخدام الأراضي المحتلة من قبل سلطات الاحتلال لإلقاء ودفن هذه المخلفات، وهو ما أحدث الكثير من الأمراض الخطرة.
وقال: أدت أعمال الاستيطان والاحتلال وسياسة هدم البيوت وسحب الهويات، والإغلاق العسكري والحواجز والطرق الاستيطانية وسياسات التطهير العرقي والفصل العنصري إلى التحكم الصارم في حركة الفلسطينيين، ومنع التواصل بينهم، وخلخلة وتدمير حياتهم الاجتماعية فيما مثلت المستوطنات قواعد عسكرية وأمنية متقدمة لتنفيذ سياسات الاحتلال بهدف فرض السيطرة، وهو ما يفرغ أي سلطة (أو دولة) فلسطينية من مضمونها.
وشدد مجدلاني والعطاونة على أن هذه الندوة هي باكورة لسلسلة من الفعاليات المتخصصة تعتزم الدائرة تنظيمها هذا العام بمشاركة سياسيين وأكاديميين وباحثين ومهتمين، لإجلاء حقيقة الوضع وبلورة توصيات ومقترحات من شأنها تعزيز الموقف الوطني وتوضيحه على مختلف الصعد، ورفع توصيات بشأنها إلى صنّاع القرار.
ــــ
ع.ف