الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 01/08/2025 03:52 م

غزة: أمهات وأجنّة في معركة البقاء

 

غزة 1-8-2025 وفا - محمد دهمان

في قطاع غزة لا تملك الأم الحامل رفاهية التفكير بتفاصيل ولادتها، بل تنشغل بالبحث عن كسرة خبز، أو رشفة ماء من أجل البقاء هي وجنينها على قيد الحياة، حيث تجبر الآلاف من الأمهات على خوض تجربة الأمومة في ظروف تنعدم فيها مقومات الحياة في ظل غياب للرعاية الصحية والطبية، وحالة التجويع التي يعيشها القطاع نتيجة الحصار والعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

هذه المعركة تخوضها كوثر بركات (37 عاما)، والتي تسكن الآن في خيمة نزوح شمال قطاع غزة. كوثر حامل في شهرها الثامن، تعاني من التجويع وسوء التغذية، ما أثر سلبا على صحتها وصحة جنينها.

تقول بركات إن حالتها الصحية تدهورت بسبب سوء التغذية، وأثر ذلك بشكل واضح على صحتها وعلى نمو الجنين. قبل العدوان الإسرائيلي، كان بطنها يبدو أكبر، أما الآن فمستوى الدم لديها لا يتجاوز 8. تقضي يومها في البحث عن الطعام، وإن وجد، فلا تأكل سوى وجبة واحدة فقط. هذا الوضع ترك أثرًا نفسيًا كبيرًا عليها، ما جعلها تشعر بخوف شديد من الولادة، خاصة أنها قد تحتاج إلى نقل دم، في ظل الدمار الكامل وانعدام الخدمات الصحية.

كوثر ليست حالة فردية، بل واحدة من آلاف النساء الحوامل في غزة، اللواتي يخضن تجربة الحمل والولادة في ظروف قاسية تجمع بين الحصار، والنزوح، وسوء التغذية، وانهيار المنظومة الصحية.

عفاف مهدي (28 عاما)، أم لطفلة وتنتظر مولودها الثاني، تسرد معاناتها من زاوية مختلفة، قائلة:
"
أكبر مخاوفي أن يولد طفلي مريضًا أو ناقص النمو. لا يتوقف شعوري بالذنب، وكأنني ظلمت هذا الجنين، نأكل ما تيسّر، وأحيانًا تكون بدائل خطيرة، ونستنشق هواءً مشبعًا بالسموم. أكثر ما يرعبني هو لحظة الولادة؛ لا حضّانات، ولا أدوية، ولا حتى مستلزمات أساسية كالحليب أو الحفاضات، يوميا أتحدث إلى جنيني، وأتمنى فقط أن نعيش يومًا ما حياة طبيعية، دون خوف ولا رعب".

أما مريم غبن، وهي أم لطفلين، فتروي جانبًا آخر من المعاناة، إذ تسبّب سوء التغذية في إضعاف جسدها إلى درجة باتت تجد فيها صعوبة في الحركة.

تقول: "أحتاج للطعام لأتمكّن من التحرك، لكنني أشعر بالوهن طوال الوقت. سوء التغذية لا يؤذيني وحدي، بل يهدد صحة الجنين، وقد يؤدي حتى للإجهاض. لم أتناول ما يكفي من البروتينات أو الكالسيوم، وكل ما نعتمد عليه هو بعض الفيتامينات إن وُجدت، مؤخرا أجريت بعض الفحوصات لأطمئن على الجنين، لكن الوضع العام صعب للغاية، والقلق لا يفارقني".

تروي أخصائية حديثي الولادة والخدج في الهلال الأحمر الفلسطيني مستشفى القدس، عضو التحالف من أجل تغذية الرضع في غزة (GINA) نرفانة مودد ما تعايشه مع الحوامل في قطاع.   

تلخص نرفانة الظروف الكارثية الصحية للأمهات ومواليدهن وهي تتفقد أقسام حضانات المواليد الجدد الذين يلتقطون أنفاسهم الأولى، تحت هدير الطائرات وأصوات القصف، وبين ركام البيوت والمستشفيات، وخيام النزوح.

بالنسبة للطبيبة نرفانة فإن مأساة الأم تبدأ منذ لحظة الحمل الأولى، حيث لا تحصل على التغذية أو المكملات الأساسية كالفوليك أسيد والحديد، وتعاني مع الوقت من حالات ضعف وهزال وصداع مزمن، كما أن الوضع الصحي المتدهور وخدمات الصرف الصحي المتدنية فاقمت من معدلات الالتهابات المهبلية، والتي قد تنتقل للجنين، وتؤدي إلى تمزق الأغشية وحدوث الولادة المبكرة.

وتتطرق الاخصائية نرفانة للجانب النفسي: "اكتئاب ما بعد الولادة يتفاقم في هذه الظروف. شهدنا حالة أم رفضت إرضاع طفلتها بعد استشهاد زوجها، ولم نكن نملك بديلًا من الحليب الصناعي، فبحثنا عن مرضعة بديلة. هذا مشهد يتكرر كثيرًا".

وتشدد "الأمهات والرضع بحاجة إلى دعم نفسي وجسدي ومجتمعي أكثر من أي وقت مضى. نحن لا ننقذ حياة فقط، نحن نحاول أن نمنح بداية عادلة لأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في غزة".

أما عن الأطفال الخدج، تشير الأخصائية إلى أن الخطورة على حياتهم لا تقتصر فقط بانخفاض الوزن عند الولادة، بل تمتد أيضا للنقص في المناعة، وعدم اكتمال الجهاز التنفسي، ما يجعلهم معرضون لعدة مشكلات صحية، منها: ضعف النمو، وزيادة خطر الإصابة بالعدوى، واليرقان، وصعوبات في التنفس، واضطرابات هضمية قد تتطور إلى التهاب شديدة في الأمعاء، إضافة إلى احتمال وجود تشوهات خلقية في القلب، خاصة في ظل افتقار السوق إلى حليب خاص ومناسب لاحتياجاتهم.

وتشير نرفانة إلى أن هناك مواليد يعانون من ضعف القدرة على الرضاعة بسبب غياب التناسق بين المضغ والبلع، وغياب نضوج الجهاز الهضمي. لافتة إلى أن هذه الفئة بحاجة إلى عناصر غذائية مضاعفة لدعم النمو السريع، نحن نراقب الوزن يوميًا، وأي خلل قد يؤدي إلى انتكاسة.

توضح الأخصائية أن وضع الأمهات في ظل الحصار والتجويع الذي يعيشه القطاع صعب للغاية، حيث تعاني الكثير منهن من سوء تغذية واضح، ما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل الخمول، وضعف الحركة، وجفاف الجسم، وقلة التبول، وفقدان الشهية، بالإضافة إلى الاستفراغ المتكرر.

وتستذكر إحدى الحالات لطفلة ولدت بوزن 1.3 كيلو غرام، تراجع إلى 1.1 كيلو غرام، ولم تكتسب وزنًا لأيام: "دعمناها بالأغذية التعويضية. اليوم وبعد 35 يوما فقط، بلغ وزنها 3.045 كيلو غرام، وهذا إنجاز نادر في ظل ظروف العدوان".

وتكشف الطبيبة عن أكثر الحالات إيلامًا: استقبلنا توأمًا بأوزان 700 غرام، والآخر 900 غرام، على عمر 30 أسبوعا فقط… فقدناهما معا بسبب نقص الأجهزة ونقص نضج الأعضاء. وهي ليست حالة وحيدة بل نمط متكرر للأسف".

وتسرد التحديات اليومية التي يواجهها الأطباء: "نقص الحاضنات وأجهزة التنفس الصناعي يدفعنا أحيانًا لوضع 3 مواليد على نفس جهاز الاستقبال، وهذا خطير ومخالف لمعايير مكافحة العدوى، وغالبا ما يواجه طلبنا بتحويلهم إلى مستشفيات أخرى بالرفض، لعدم وجود قدرة استيعابية لديها، فالمستشفيات منهكة والكوادر الطبية مرهقة ومحدودة".

وتضيف: "الكهرباء عنصر أساسي لبقاء الأطفال على قيد الحياة. انقطاعها المفاجئ، حتى للحظات، يهدد حياة أي طفل على جهاز تنفس صناعي. وقد تلجأ بعض المستشفيات لإطفاء التبريد المركزي لتوفير الطاقة، ما يؤثر على حرارة الحاضنات".

تعكس الأرقام الصادر عن مصادر طبية، الكارثة التي يعيشها النظام الصحي في غزة تحت وطأة الحصار المستمر، والنقص الحاد في المعدات والأدوية والكوادر الطبية.

وتنعكس هذه الكارثة الإنسانية على الإحصاءات المسجلة خلال النصف الأول من عام 2025، حيث شهد القطاع: 17,000 حالة ولادة مسجلة في القطاع، بينها:2,600  حالة وفاة لأجنة ومواليد، و220 وفاة أثناء الحمل وقبل الولادة، و21 وفاة في اليوم الأول بعد الولادة، و1,600 مولود بوزن أقل من الطبيعي، و2,535 طفلًا احتاجوا دخول الحضانة، و1,460 ولادة مبكرة، و67 حالة تشوه خلقي.

ــــ

م.د/ر.ح

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا