أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 02/08/2025 08:12 م

الزحف الاستعماري يخنق كفر قدوم ويلتهم أراضيها وزيتونها


قلقيلية 2-8-2025 وفا- ميساء عمر

أواخر حزيران/ يونيو الماضي، نقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، 12 بيتا متنقلا (كرفان) إلى بؤرة استعمارية جديدة أقامتها على أراضي المواطنين شرق مدينة قلقيلية، وأسكنت فيها 10 عائلات من المستعمرين، ضمن مخطط لتوسيع البؤر الاستعمارية التابعة لمستعمرة "كدوميم" المقامة على أراضي ثلاث قرى فلسطينية: كفر قدوم، إماتين وجيت.

وتمهيدا لهذه الخطوة، نفذ الاحتلال على مدار أشهر عمليات تجريف وشق طريق استعماري في المنطقة، شملت تجريف نحو 10 دونمات من الأراضي، وأقام فوقها بؤرة استعمارية جديدة على قمة جبل "الكدان" على حساب أراضي قرية كفر قدوم، أطلق عليها اسم "حي جدعون" واعتُبر جزءا من مستعمرة "كدوميم".

ويؤكد المواطنون في كفر قدوم، أن هذه البؤرة ستهدد بتضييق الخناق على وصول المزارعين إلى آلاف الدونمات المزروعة بأشجار الزيتون شمالي القرية، ما ينذر بعزل تلك الأراضي وحرمان أصحابها من الوصول إليها وفلاحتها.

رئيس مجلس قروي كفر قدوم موفق عبيد أوضح لـ"وفا"، إن أكثر من 15 ألف شجرة زيتون لم يصل إليها أصحابها منذ بدء العدوان الإسرائيلي الشامل على شعبنا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما حرم أكثر من 300 مزارع على الأقل من حراثة أراضيهم والعناية بمحاصيلهم.

وتُعد هذه الأراضي من أهم المناطق الزراعية في كفر قدوم، وتنتشر على الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية من القرية، إلا أن الاحتلال يمنع المواطنين من الوصول إليها بذريعة أنها مصنفة "ج"، ويجبرهم على استصدار تصريح خاص للوصول إليها، علما أنه يمتنع عن إصدار هذه التصاريح منذ بدء العدوان.

وأشار عبيد إلى أن الاحتلال لا يكتفي بمنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، بل يغض الطرف عن اعتداءات المستعمرين الذين صعّدوا من هجماتهم على القرية، حيث قاموا بهدم وإحراق غرف زراعية تعود ملكيتها للمواطنين: فادي غازي عبيد، وعقبة عبد الله عبيد، ورياض محمد شتيوي، بالإضافة إلى تكسير آليات زراعية بينها حفارة "باجر" تتبع لوزارة الزراعة بحجة العمل في مناطق مصنفة "ج"، وردم بئر لجمع مياه الأمطار.

الشاب العشريني أحمد عماد أحمد، ورث عن والده قطعة أرض مساحتها 15 دونما، مزروعة بأشجار زيتون يزيد عمرها عن مئة عام. كانت هذه الأرض مصدر رزقه الوحيد، يقضي معظم أيامه فيها، يعتني بالأشجار ويستظل بها، ويعتمد على موسم قطف الزيتون لتأمين دخله من بيع الزيت ومشتقاته، لكن اليوم، لم يتبقَّ له منها سوى المرور بجوارها، ومشاهدة عمليات التجريف التي طالتها بعد أن استولت عليها سلطات الاحتلال لصالح توسعة البؤرة الاستعمارية.

حال أحمد لا يختلف كثيرًا عن المواطن الأربعيني علي القدومي، الذي حُرم من الوصول إلى أرضه البالغة مساحتها دونمات، والتي تبعد أمتارًا قليلة عن البؤرة الاستعمارية المسماة "حي جدعون".

وقال القدومي، إن جنود الاحتلال منعوه من الاقتراب من أرضه، وهددوه حال حاول دخولها.

ولم تقتصر انتهاكات الاحتلال على الاستيلاء والمنع، بل امتدت لتطال البنية التحتية الزراعية أيضًا، فالمزارع الخمسيني ماهر علي شتيوي، يملك أرضًا مساحتها 95 دونمًا، مزروعة بأشجار زيتون يزيد عمرها عن 90 عامًا، كانت المسافة بين أرضه ومنزله لا تتجاوز عشر دقائق مشيًا، لكن مع إغلاق الاحتلال الطريق الزراعية المؤدية إليها، واستبدالها بشارع يخدم البؤرة الاستعمارية الجديدة، أصبح عليه أن يسلك طرقًا ترابية بين الأراضي، تستغرق منه نصف ساعة على الأقل.

ويقول شتيوي: "أرضي تقع بمحاذاة جبل الكدان من الجهة الشمالية، وتفصلني عنها فقط 400 متر، لكن الاحتلال أعاق وصولنا إليها، وأخشى في المستقبل أن يمنعنا من الدخول إليها بالكامل، بحجة قربها من البؤرة، وتحت ذرائع واهية تتعلق بـ "أمن المستعمرين".

وتتمتع قرية كفر قدوم بموقع استراتيجي يربط شمال الضفة الغربية بوسطها، كما وتشرف على الطرق المؤدية إلى مدينة نابلس والبلدات المجاورة مثل باقة الحطب، حجة، والفندق، وهذا الموقع جعلها هدفًا مستمرًا لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى عزلها لصالح توسيع مستعمرة "كدوميم".

فعام 2002، استولى الاحتلال على نحو 8000 دونم من أراضي القرية، لصالح توسعة مستعمرتي "كدوميم" و"أريئيل"، وفي عام 2003 أغلق الاحتلال الطريق الرئيسي الذي يربط كفر قدوم بمدينة نابلس والقرى المجاورة بالبوابة الحديدية، وأجبر المواطنين على استخدام طريق فرعية طويلة وملتوية.

ويقول سائق المركبة العمومية محمد عادل إن الوصول إلى نابلس أو القرى المجاورة بات يستغرق قرابة الأربعين دقيقة بدلًا من الـ20 دقيقة، ما يضيف أعباءً يومية كبيرة من حيث الوقت والجهد والتكلفة المالية، مضيفا أن أهالي القرية ومنذ ذلك الحين، ينظمون مسيرة أسبوعية سلمية للمطالبة بإعادة فتح الطريق ورفضًا للاستيطان وانتهاكات الاحتلال.

ورغم سلمية المسيرة الاسبوعية، يقابلها الاحتلال بالقمع عبر إطلاق قنابل الغاز والصوت صوب المشاركين، ما يؤدي أسبوعيًا إلى إصابة العشرات بحالات اختناق، بالإضافة الى ذلك ينصب جنود الاحتلال الحواجز العسكرية بشكل شبه يومي على مداخل القرية ويعيقون حركة المواطنين وينكلون بهم.

ومنذ مطلع عام 2025 وحتى نهاية حزيران/ يونيو، درست (إيداع ومصادقة) سلطات الاحتلال ما مجموعه 165 مخططا هيكليا لتوسعة مستعمرات أو إقامة مستعمرات جديدة منها: 124 مخططا في مستعمرات الضفة الغربية، و41 مخططاً لمستعمرات القدس، درست من خلالها ما مجموعه أكثر من 8685 وحدة استعمارية في مستعمرات الضفة الغربية، و8865 لمستعمرات القدس، بحسب تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

وأشار التقرير أن المستعمرين أقاموا في النصف الأول من عام 2025 23 بؤرة استعمارية على أراضي المواطنين معظمها بؤر رعوية، في محافظات رام الله والبيرة، ونابلس، والخليل، وقلقيلية، وطوباس والأغوار الشمالية، والقدس، في استمرار لسياسة فرض الوقائع التي ينتهجها المستعمرون على الأرض برعاية كاملة من جيش الاحتلال.

وأضاف أنه في الفترة التي رصدها التقرير، استولت سلطات الاحتلال على أكثر من 800 دونم من أراضي المواطنين تحت مسميات مختلفة، من خلال إصدار 36 أمرا لوضع اليد لأغراض عسكرية، وأمر واحد لاستملاك بحجة شق شوارع وتوسعتها.

وخلال شهر تموز/ يوليو الماضي، دفعت الجهات التخطيطية التابعة للإدارة المدنية الاحتلالية 25 مخططا هيكلياً لصالح توسعة مستعمرات في الضفة الغربية.

وقال رئيس الهيئة، الوزير مؤيد شعبان، إن هذا الدفع المكثف للمخططات الهيكلية لصالح المستعمرات ينضوي في إطار سباق الزمن في فرض الوقائع على الأرض الفلسطينية بما يشمل توسعة المستعمرات القائمة وتسوية وشرعنة البؤر الاستعمارية والتضييق على حياة المواطنين الفلسطينيين بإجراءات منع الوصول إلى الأراضي.

ويعد بناء المستعمرات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي وكافة المواثيق والمعاهدات وقرارات المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي 23 كانون الأول/ ديسمبر عام 2016، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2334، الذي أكد مجددا أن إنشاء إسرائيل للمستعمرات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية ويشكّل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل.

وكرّر مطالبته لإسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وأن تحترم جميع التزاماتها القانونية في هذا الصدد احتراما كاملا.

وأكد أنه لن يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 بما في ذلك ما يتعلق بالقدس سوى التغييرات التي يتفق عليها الطرفان من خلال المفاوضات. وشدد على أن وقف جميع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية أمر ضروري لإنقاذ حل الدولتين.

وفي 19 تموز/ يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن التبعات القانونية المتعلقة بالإجراءات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي أكد أنه يتوجب على إسرائيل وقف الاحتلال وإنهاء تواجدها غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت، والوقف الفوري لأي نشاط استيطاني جديد وإخراج كل المستعمرين من الأرض الفلسطينية المحتلة.

وشددت المحكمة على أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية هذا الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم العون أو المساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.

ـــــ

ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا